الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً }

هذه المشاهد لم تكن مجرد تاريخ يحكيه القرآن، إنما مشاهد ومَرَاءٍ رآها كفار مكة في رحلة الصيف يمرون على هذه الديار، كما قال سبحانه في موضع آخر:وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [الصافات: 137-138] إذن: فهذا التاريخ له واقع يسانده، وآثار تدل عليه. والقرية التي أُمطرتْ مطر السَّوْء هي سدوم قرية قوم لوط { أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا.. } [الفرقان: 40] ألم يشاهدوها في أسفارهم. { بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } [الفرقان: 40] كلمة بَلْ للإضراب، فهي تنفي ما قبلها، وتُثبِت ما بعدها، فالمعنى: أنهم مَرُّوا عليها وشاهدوها، ويَعْرفونها تمام المعرفة، لكنهم لا يرجُونَ نُشُوراً يعني: لا ينتظرون البعث، ولا يؤمنون به، ولا يعترفون بالوقوف بين يدي الله للحساب، ألم يقولوا:أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } [المؤمنون: 82]. وعجيبٌ ألاَّ يؤمنَ هؤلاء بالبعْث والحساب، وهم أنفسهم كانوا إذا رأَوْا ظالماً وقفوا في وجهه ومنعوه من الظلم، كما كان في حِلْف الفضول مثلاً، فيأخذون الظالم ويعاقبونه حتى يرجع عن ظُلْمه، ثم يردُّون للمظلوم حَقّه، لكن ألم ينظروا في حال الظالمين الذين مرُّوا في الدنيا دون عقاب، ودون قصاص؟ أليس من العدل أن تكون لهم دَارٌ أخرى يُحاسبون فيها؟ لذلك كنا نردُّ على الشيوعيين بهذه المسألة، نقول لهم: لقد عذبتُمْ أعداءكم من الإقطاعيين والرأسماليين، وانتقمتُم منهم فما بال الذين سبقوكم ولم تدركوهم؟ أليس من العدل أنْ تعترفوا بيوم جامع يُحاسب فيه هؤلاء؟ ولما قال القائل: لن يموت ظلوم حتى ينتقم الله منه، قالوا له: إن فلاناً الظالم قد مات، ولم نَرَ فيه شيئاً، فقال: إن وراء هذه الدار داراً يُجازي فيها المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. وبعد أن عرض الحق - تبارك وتعالى - بعض النماذج من موكب النبوات تسليةً لرسوله صلى الله عليه وسلم يُبيِّن أن الأمر مع هؤلاء الكفار لن يتوقف عند العِنَاد والتعنّت بمطالب سخيفة، إنما يتعدَّى ذلك إلى محاولة الاستهزاء به والسخرية منه، فقال سبحانه: { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً... }.