الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً }

واللقاء: يعني البعث، وقد آمنا بالله غَيْباً، وفي الآخرة نؤمن به تعالى مَشْهداًلِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ.. } [غافر: 16] حتى مَنْ لم يؤمن في الدنيا سيؤمن في الآخرة. لذلك يقول سبحانه في موضع آخر:وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [النور: 39]. ويا ليته جاء فلم يجد عمله، المصيبة أنه وجد عمله كاملاً، ووجد الله تعالى يحاسبه ويُجازيه، ولم يكن هذا كله على باله في الدنيا لذلك يُفَاجأ به الآن. وقوله: { لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا.. } [الفرقان: 21] يعني: لا ينتظرونه ولا يؤمنون به لذلك لم يستعدوا له، لماذا؟ لأنهم آثروا عافية العاجلة على عافية الآجلة، ورأوْا أمامهم شهواتٍ ومُتَعاً لم يصبروا عليها، وغفلوا عن الغاية الأخيرة. ما هو اللقاء؟ اللقاء يعني الوَصْل والمقابلة، لكن كيف يتم الوَصْل والمقابلة بين الحق - تبارك وتعالى - وبين الخَلْق - وهذه من المسائل التي كَثُر فيها الجدال، وحدثت فيها ضجّة شككتْ المسلمين في كثير من القضايا. قالوا: اللقاء يقتضي أن يكون الله تعالى مُجسّماً وهذا ممنوع، وقال آخرون: ليس بالضرورة أن يكون اللقاء وَصْلاً، فقد يكون مجردَ الرؤية لأن رؤية العَيْن للرب ليست لقاء، وهذا قول أهل السنة. أما المعتزلة فقد نفَوْا حتى الرؤية، فقال: لا يلقونه وَصْلاً ولا رؤية، لأن الرائي يحدد المرئي، وهذا مُحَال على الله عز وجل. ونقول للمعتزلة: أنتم تأخذون المسائل بالنسبة لله، كما تأخذونها بالنسبة لمخلوقات الله، لماذا لا تأخذون كل شيء بالنسبة لله تعالى في إطارلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.. } [الشورى: 11] فإذا كان لكم ببعض لقاء يقتضي الوَصْل، فلله تعالى لقاء لا يقتضي الوصل، وإذا كانت الرؤية تحدد فلله تعالى رؤية لا تحدد. إن لك سَمْعاً ولله سمع أسمعُك كسمع الله عز وجل؟ إذن. لماذا تريد أن يكون لقاء الله كلقائك يقتضي تجسُّداً، أو رؤيته كرؤيتك؟ لذلك في قصة رؤية موسى عليه السلام لربه عز وجل، ماذا قال موسى؟ قال:رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ.. } [الأعراف: 143] فطلب من ربه أن يُريه لأنه لا يستطيع ذلك بذاته، ولا يصلح لهذه الرؤية، ألا أن يُريه الله ويطلعه، فالمسألة ليست من جهة المرئيّ، إنما من جهة الرائي. لكن هل قرَّعه الله على طلبه هذا وقال عنه: استكبر وعتا عُتُواً كبيراً كما قال هنا؟ لا إنما قال له:لَن تَرَانِي.. } [الأعراف: 143] ولم يقُلْ سبحانه: لن أُرَى، وفرْق بين العبارتين. فقوله:لَن تَرَانِي.. } [الأعراف: 143] المنع هنا ليس من المرئيّ بل المنع من الرائي لذلك أعطاه ربه عز وجل الدليل:

السابقالتالي
2 3 4 5