الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ }

وكأنه تعالى لا يريد أنْ يُغلق الباب دونهم، فيعطيهم الفرصة: جَدِّدوا طاعة لله، وجَدِّدوا طاعة لرسوله، واستدركوا الأمر ذلك لأنهم عباده وخَلْقه. وكما ورد في الحديث الشريف: " لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم وقع على بعيره وقد أضله في فلاة.. ". ونلحظ في هذه الآية تكرار الأمر أطيعوا { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ.. } [النور: 54] وفي آيات أخرى يأتي الأمر مرة واحدة، كما في الآية السابقة:وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ.. } [النور: 52]، وفيأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ.. } [الأنفال: 20] وفيمَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ.. } [النساء: 80] أي: أن طاعتهما واحدة. قالوا: لأن القرآن ليس كتابَ أحكام فحسب كالكتب السابقة، إنما هو كتاب إعجاز، والأصل فيه أنه مُعْجز، ومع ذلك أدخل فيه بعض الأصول والأحكام، وترك البعض الآخر لبيان الرسول وتوضيحه في الحديث الشريف، وجعل له صلى الله عليه وسلم حقاً في التشريع بنصِّ القرآن:وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ.. } [الحشر: 7]. والقرآن حين يُورد الأحكام يوردها إجمالاً ثم يُفصِّلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالصلاة مثلاً أمر بها الحق - تبارك وتعالى - وفرضها، لكن تفصيلها جاء في السنة النبوية المطهرة، فإنْ أردتَ التفصيل فانظر في السنة. كالذي يقول: إذا غاب الموظف عن عمله خمسة عشر يوماً يُفصَل، مع أن الدستور لم ينص على هذا، نقول: لكن في الدستور مادة خاصة بالموظفين تنظم مثل هذه الأمور، وتضع لهم اللوائح المنظِّمة للعمل. وذكرنا أن الشيخ محمد عبده سأله بعض المستشرقين: تقولون في القرآن:مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ.. } [الأنعام: 38] فهات لي من القرآن: كم رغيفاً في إردب القمح؟ فما كان من الشيخ إلا أن أرسل لأحد الخبازين وسأله هذا السؤال فأجابه: في الإردب كذا رغيف. فاعترض السائل: أريد من القرآن. فردَّ الشيخ: هذا من القرآن لأنه يقول:فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } [النحل: 43]. فالأمر الذي يصدر فيه حكم من الله وحكم من رسول الله، كالصلاة مثلاً:إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } [النساء: 103]. وفي الحديث: " الصلاة عماد الدين ". ففي مثل هذه المسألة نقول: أطيعوا الله والرسول لأنهما متواردان على أمر واحد، فجاء الأمر بالطاعة واحداً. أما في مسائل عدد الركعات وما يُقَال في كل ركعة وكوْنها سِراً أو جهراً، كلها مسائل بيَّنها رسول الله. إذن: فهناك طاعة لله في إجمال التشريع أن الصلاة مفروضة، وهناك طاعة خاصة بالرسول في تفصيل هذا التشريع، لذلك يأتي الأمر مرتين { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ.. } [النور: 54]. كما نلحظ في القرآن:وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ.. } [النور: 56] هكذا فحسب.

السابقالتالي
2