{ ٱبْتَغَىٰ }: طلب، { وَرَآءَ ذٰلِكَ }: غير ما ذكرناه من الأزواج ومِلْك اليمين. وسبق أن ذكرنا أن كلمة { وَرَآءَ } استُعمْلت في القرآن لمعَان عدة، فهي هنا بمعنى غير الأزواج ومِلْك اليمين. ومن ذلك أيضاً قوله سبحانه:{ .. وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ } [النساء: 24] يعني: حرَّمْت عليكم كذا وكذا، وأحلَلْتُ لكم غير ما ذُكِر. وتُستعمل وراء بمعنى بَعْد لأن الغيرية قد تتحد في الزمن، فيوجد الاثنان في وقت واحد، أمّا البعدية فزمنها مختلف، كما في قوله تعالى:{ وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } [هود: 71] يعني: من بعده لأن الزمن مختلف. وتأتي وراء بمعنى: خلف، كما في قوله تعالى:{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } [آل عمران: 187] يعني: جعلوه خلف ظهورهم. وتأتي وراء أيضاً بمعنى أمام، كما في قوله تعالى:{ وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } [الكهف: 79] ومعلوم أن الملك كان أمامهم ينتظر كل سفينة تمرُّ به فيأخذها غَصْباً. وقوله تعالى:{ مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ.. } [ابراهيم: 16] وجهنم أمامه، وستأتي فيما بعد، ولم تَمْضِ فتكون خلفه. ومعنى: { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ.. } [المؤمنون: 7] أي: المعتدون المتجاوزون لما شُرع لهم، وربنا - تبارك وتعالى - حينما يُحذِّرنا من التعدي يُفرِّق بين التعدي في الأوامر، والتعدي في النواهي، فإنْ كان في الأوامر يقول:{ فَلاَ تَعْتَدُوهَا } [البقرة: 229]. وإن كان في النواهي يقول:{ فَلاَ تَقْرَبُوهَا } [البقرة: 187]. ثم يقول الحق سبحانه: { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ... }.