الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ }

{ فَذَرْهُمْ.. } [المؤمنون: 54] يعني: دَعْهم، والعرب لم تستعمل الماضي من هذين الفعلين، فورد فيهما يدع ويذر. وقد ورد هذا الفعل أيضاً في قوله تعالى:وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ.. } [المزمل: 11]. وفي قوله تعالى:فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ.. } [القلم: 44]. والمعنى: ذرهم لي أنا أتولى عقابهم، وأفعل بهم ما أشاء، أو: ذرهم يفعلون ما يشاءون ليستحقوا العقاب، وينزل بهم العذاب. والغمرة: جملة الماء التي تغطي قامة الرجل وتمنع عنه التنفس، فلا يبقى له من أمل في الحياة إلا بمقدار ما في رئته من الهواء لذلك يحرص الإنسان على أنْ يُمرِّن نفسه على أن تتسع رئته لأكبر قدر من الهواء. ومن ذلك أخذت كلمة المنافسة، وأصلها أن يغطس اثنان تحت الماء ليختبر كل منهما الآخر: أيّهما يبقى فترة أطول تحت الماء ودون تنفس. ويقول تعالى:وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } [المطففين: 26] وتستطيع أن تُجري مع نفسك هذه المنافسة، بأن تأخذ نفساً عميقاً ثم تعد: واحد، اثنان وسوف ترى مقدار ما في رئتك من الهواء. فالمعنى: ذَرْهم في غبائهم وغفلتهم فلن يطول بهم الوقت لأنهم كمن غمره الماء، وسرعان ما تنكتم أنفاسه ويفارق الحياة لذلك قال تعالى بعدها: { حَتَّىٰ حِينٍ } [المؤمنون: 54] والحين مدة من الزمن قد تطول، كما في قوله تعالى:تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا.. } [إبراهيم: 25]. وقد تقصر كما في قوله تعالى:فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [الروم: 17] وكأن الله تعالى عَبّر بالغمرة ليدل على أن حينهم لن يطول. ثم ينتقل السياق ليعالج قضية قد تشغل حتى كثيراً من المؤمنين: { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ... }.