الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }

{ ذٰلِكَ.. } [الحج: 61] يعني ما قُلْته لك سابقاً له دليل، فما هو؟ أن الله يأخذ من القوي ويعطي للضعيف، ويأخذ من الطويل ويعطي للقصير، فالمسألة ليست ثابتة أو ميكانيكا وإنما خلقها الله بقدر. والليل والنهار هما ظرفا الأحداث التي تفعلونها، والحق سبحانه { يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ.. } [الحج: 61]. يولج الليل يعني: يُدخِل الليل على النهار، فيأخذ منه جزءاً جزءاً فيُطوِّل الليل ويُقصِّر النهار، ثم يُدخِل النهار على الليل فيأخذ منه جزءاً جزءاً، فيُطوِّل النهار ويُقصِّر الليل لذلك نراهما لا يتساويان، فمرة يطول الليل في الشتاء مثلاً، ويقصر النهار، ومرة يطول النهار في الصيف، ويقصر الليل. فزيادة أحدهما ونَقْص الآخر أمر مستمر، وأغيار متداولة بينهما. وإذا كانت الأغيار في ظرف الأحداث، فلا بُدَّ أن تتغير الأحداث نفسها بالتالي، فعندما يتسع الظرف يتسع كذلك الخير فيه، فمثلاً عندنا في المكاييل: الكَيْلة والقدح والوَيْبة وعندنا الأردب، وكل منهما يسَعُ من المحتوى على قدر سعته. وهكذا كما نزيد أن ننقص في ظرف الأحداث نزيد وننقص في الأحداث نفسها. ثم تُذيَّل الآية بقوله سبحانه: { وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [الحج: 61] سميعٌ لما يقال، بصيرٌ بما يفعل، فالقول يقابله الفعل، وكلاهما عمل، والبعض يظن أن العمل شيء والقول شيء آخر، لا لأن العمل وظيفة الجارحة، فكل جارحة تؤدي مهمتها فهي تعمل، عمل العَيْن أن ترى، وعمل الأذن أنْ تسمع، وعمل اليد أن تلمس، وعمل الأنف أن يشُم، وكذلك عمل اللسان القول، فالقول للسان وحده، والعمل لباقي الجوارح وكلاهما عمل، فدائماً نضع القول مقابل الفعل، كما في قوله تعالى:لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [الصف: 2]. والسمع والبصر هما الجارحتان الرئيسيتان في الإنسان، وهما عمدة الحواس كلها، حيث تعملان باستمرار على خلاف الشَّم مثلاً، أو التذوق الذي لا يعمل إلا عدة مرات في اليوم كله.