الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ }

المنسك: هو العبادة، كما جاء في قول الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام:قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ.. } [الأنعام: 162]. ومعنى { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً.. } [الحج: 34] لأن الشعائر والمناسك والعبادات ليس من الضروري أنْ تتفق عند جميع الأمم، بل لكل أمة ما يناسبها، ويناسب ظَرْفها الزمني والبيئي. لذلك، فإن الرسل لا تأتي لتُغير القواعد والأسس التي يقوم عليها الدين لأن هذه القواعد وهذه الأسس ثابتة في كل رسالات السماء، لا تتبدل ولا تتغير بتغيُّر الرسل. يقول تعالى:شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ.. } [الشورى: 13]. هذا في الأصول العَقَدية الثابتة، أما في الفرعيات فنرى ما يصلح المجتمع، وما يناسبه من طاعات وعبادات. ثم يُبيِّن الحق سبحانه الحكمة من هذه المناسك: { لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ.. } [الحج: 34] أي: يذكروا الله في كل شيء، ويشكروه على كل نعمة ينالونها من بهيمة الأنعام. لذلك نذكر الله عند الذبح نقول: بسم الله، الله أكبر، لماذا؟ لأن الذبح إزهاق روح خلقها الله، وما كان لك أنْ تزهقها بإرادتك، فمعنى " بسم الله والله أكبر " هنا أنني لا أزهق روحها من عندي، بل لأن الله أمرني وأباحها لي، فالله أكبر في هذا الموقف من إرادتك، ومن عواطفك. ونرى البعض يأنف من مسألة الذَّبْح هذه، يقول: كيف تذبحون هذا الحيوان أو هذه الدجاجة؟ يدَّعي الرحمة والشفقة على هذه الحيوانات، لكنه ليس أرحم بها من خالقها، وما ذبحناها إلا لأن الله أحلَّها، وما أكلناها إلا بسم الله، بدليل أن ما حرمه الله علينا لا نقرب منه أبداً. وهل أنا أكرم القطة عن الأرنب، فأذبح الأرنب وأترك القطة؟ وهل احترم الكلب عن الخروف؟ أبداً، المسألة مسألة تشريع وأمر ثبت عن الله، فَعَليَّ أنْ أُعظِّمه وأُطيعه. وقوله تعالى: { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ.. } [الحج: 34] الرزق يعني: أنه تعالى أوجدها لك، وملكك إياها، وذَلَّلها لك فاستأنسْتها وسخّرها لك فانتفعتَ بها، ولولا تسخيره ما انقادتْ لك بقُوتك وقدرتك. ثم يقول سبحانه: { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ.. } [الحج: 34] يعني: إنِ اختلفت الشرائع من أمة لأمة فإيَّاك أنْ تظنَّ أن هذا من إله، وهذا من إله آخر، إنما هو إله واحد يشرِّع لكل أمة ما يناسبها وما يصلحها لأن التشريعات السماوية تأتي علاجاً لآفات اجتماعية. والأصل الأصيل هو إيمان بإله واحد فاعل قادر مختار، يُبلِّغ عنه رسول بمعجزة تُبيِّن صدقه في التبليغ عن الله.

السابقالتالي
2 3 4