الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ }

{ ذٰلِكَ.. } إشارة إلى الكلام السابق بأنه أمْر واضح، لكن استمع إلى أمر جديد سيأتي، فهنا استئناف كلام على كلام سابق، فبعد الكلام عن البيت وما يتعلَّق به من مناسك الحج يستأنف السياق:وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ.. } [الحج: 30] فالحق - سبحانه - يريد لعبده أنْ يلتزمَ أوامره بفعل الأمر واجتناب النهي، فكُلُّ أمر لله يَحرُم عليك أن تتركه، وكلّ نَهْي يحرم عليك أنْ تأتيه، فهذه هي حرمات الله التي ينبغي عليك تعظيمها بطاعة الأمر واجتناب النهي. وحين تُعظِّم هذه الحرمات لا تُعظمها لذاتها، فليس هناك شيء له حُرْمة في ذاته، إنما تُعظِّمها لأنها حرمات الله وأوامره لذلك قد يجعل الالتزام بها مُتغيّراً، وقد يطرأ عليك ما يبدو متناقضاً في الظاهر. فالوضوء مثلاً، البعض يرى فيه نظافة للبدن، فإذا انقطع الماء وعُدِم وجوده حَلَّ محلّه التيمُم بالتراب الطاهر الذي نُغبِّر به أعضاء التيمم، إذن: ليس في الأمر نظافة، إنما هو الالتزام والانقياد واستحضار أنك مُقْبل على أمر غير عادي يجب عليك أنْ تتطَّهر له بالوضوء، فإنْ أمرتُكَ بالتيمم فعليك الالتزام دون البحث في أسباب الأمر وعِلّته. وهكذا يكون الأدب مع الأوامر وتعظيمها لأنها من الله، ولِمَ لا ونحن نرى مثل هذا الالتزام أو رياضة التأديب في الالتزام في تعاملاتنا الطبيعية الحياتية، فمثلاً الجندي حين يُجنَّد يتعلم أول ما يتعلم الانضباط قبل أنْ يُمسِك سلاحاً أوْ يتدرب عليه، يتعلم أن كلمة " ثابت " معناها عدم الحركة مهما كانت الظروف فلو لَدغه عقرب لا يتحرك. ويدخل المدرب على الجنود في صالة الطعام فيقول: ثابت فينفذ الجميع.. الملعقة التي في الطبق تظل في الطبق، والملعقة التي في فم الجندي تظل في فمه، فلا ترى في الصالة الواسعة حركة واحدة. وهذا الانضباط الحركي السلوكي مقدمة للانضباط في الأمور العسكرية الهامة والخطيرة بعد ذلك. إذن: فربُّك - عز وجل - أَوْلَى بهذا الانضباط لأن العبادة ما هي إلا انضباط عابد لأوامر معبود وطاعة مطلقة لا تقبل المناقشة لأنك لا تؤديها لذاتها وإنما انقياداً لأمر الله، ففي الطواف تُقبِّل الحجر الأسود، وفي رمي الجمار ترمي حجراً، وهذا حجر وذاك حجر، هذا ندوسه وهذا نُقبِّله فَحَجر يُقَبَّل وحَجر يُقَنْبل لأن المسألة مسألة طاعة والتزام، هذا كله من تعظيم حرمات الله. لذلك الإمام علي - رضي الله عنه - يلفتنا إلى هذه المسألة فيقول في التيمم: لو أن الأمر كما نرى لكان مسح باطن القدم أَوْلَى من ظاهرها لأن الأوساخ تعلق بباطن القدم أولاً. وقد ذكرنا في الآيات السابقة أن الحرمات خمس: البيت الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، والمشعر الحرام، والشهر الحرام، وحرمات الله هي الأشياء المحرمة التي يجب ألاَّ تفعلها.

السابقالتالي
2 3