الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }

ما دام الكلام السابق كان حول البيت الحرام، فمن المناسب أنْ يتكلم عن تاريخه وبنائه، فقال سبحانه: { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } [الحج: 26] معنى بَوَّأه: أي: جعله مَبَاءةً يعني: يذهب لعمله ومصالحه، ثم يبوء إليه ويعود، كالبيت للإنسان يرجع إليه، ومنه قوله تعالى:وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ.. } [البقرة: 61]. وإذ: ظرف زمان لحدث يأتي بعده الإخبار بهذا الحدث، والمعنى خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اذكر يا محمد الوقت الذي قيل فيه لإبراهيم كذا وكذا. وهكذا في كل آيات القرآن تأتي إذ في خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحدث وقع في ذلك الظرف. لكن، ما علاقة المباءة أو المكان المتبوّأ بمسألة البيت؟ قالوا: لأن المكان المتبوّأ بقعة من الأرض يختارها الإنسان ليرجع إليها من متاعب حياته، ولا يختار الإنسان مثل هذا المكان إلا توفرتْ فيه كل مُقوِّمات الحياة. لذلك يقول تعالى في قصة يوسف عليه السلام:وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ.. } [يوسف: 56]. وقال في شأن بني إسرائيل:وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ.. } [يونس: 93] فمعنى: { بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ.. } [الحج: 26] أي: جعلناه مبَاءة له، يرجع إليه من حركة حياته بعد أنْ أعلمنَاهُ، ودَلَلْناه على مكانه. وقلنا: إن المكان غير المكين، المكان هو البقعة التي يقع فيها ويحلُّ بها المكين، فأرض هذا المسجد مكان، والبناء القائم على هذه الأرض يُسمَّى " مكين في هذا المكان ". وعلى هذا فقد دَلَّ الله إبراهيم عليه السلام على المكان الذي سيأمره بإقامة البيت عليه. وقد كان للعلماء كلام طويل حول هذه المسألة: فبعضهم يذهب إلى أن إبراهيم عليه السلام هو أول مَنْ بنى البيت. ونقول لأصحاب هذا الرأي: الحق - تبارك وتعالى - بوَّأ لإبراهيم مكان البيت، يعني: بيَّنه له كأن البيت كان موجوداً، بدليل أن الله تعالى يقول في القصة على لسان إبراهيم:إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ.. } [إبراهيم: 37]. وفي قوله تعالى:وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ.. } [البقرة: 127]. ومعلوم أن إسماعيل قد شارك أباه وساعده في البناء لما شَبَّ، وأصبح لديه القدرة على معاونة أبيه، أمّا مسألة السكن فكانت وإسماعيل ما يزال رضيعاً، وقوله تعالى:عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ.. } [إبراهيم: 37] يدل على أن العِنْدية موجودة قبل أنْ يبلغَ إسماعيل أنْ يساعد أباه في بناية البيت، إذن: هذا دليل على أن البيت كان موجوداً قبل إبراهيم. وقد أوضح الحق - سبحانه وتعالى - هذه المسألة في قوله تعالى:إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }

السابقالتالي
2