الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ }

معنى: { مَا لاَ يَضُرُّهُ.. } [الحج: 12] هل الصنم الذي يعبده الكافر من دون الله يمكن أن يضره؟ لا، الصنم لا يضر، إنما الذي يضره حقيقة مَنْ عانده وانصرف عن عبادته، تضره الربوبية التي يعاندها والمجَازي الذي يجازيه بعمله، إذن: فما معنى: { يَضُرُّهُ.. } [الحج: 12] هنا؟ المعنى: لا يضره إن انصرف عنه ولم يعبده، ولا ينفعه إنْ عبده: { ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } [الحج: 12] نعم ضلال: لأن الإنسان يعبد ويطيع مَنْ يرجو نفعه في أيِّ شيء، أو يخشى ضره في أيِّ شيء. وقد ذكرنا سابقاً قول بعض العارفين: واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه، ولو قلنا هذه المقولة لأبنائنا في الكتب الدراسية، واهتمَّ بها القائمون على التربية لما أغرى الأولاد بعضهم بعضاً بالفساد، ولوقفَ الولد يفكر مرة وألف مرة في توجيهات ربه، ونصائح أبيه وأمه، وكيف أنه سيترك توجيهات مَنْ يحبونه ويخافون عليه ويرجُون له الخير إلى إغراء صديق لا يعرف عنه وعن أخلاقه شيئاً. لا بُدَّ أنْ نُطعِّم أبناءنا مبادئ الإسلام، ليعرف الولد منذ صِغَره مَنْ يحبه ومَنْ يكرهه، ومَنْ هو أَوْلَى بطاعته. وتلحظ في الآية أن الضر سابق للنفع: { مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ.. } [الحج: 12] لأن دَرْءَ المفسدة مُقدَّم على جَلْب المصلحة لأن المفسدة خروج الشيء عن استقامة تكوينه، والنفع يزيدك ويضيف إليك، أما الضر فينقصك، لذلك خَيْر لك أنْ تظل كما أنت لا تنقص ولا تزيد، فإذا وقفتَ أمام أمرين: أحدهما يجلب خيراً، والآخر يدفع شراً، فلا شَكَّ أنك ستختار دَفْع الشر أولاً، وتشتغل بدَرْءِ المفسدة قبل جَلْب المصلحة. وضربنا لذلك مثلاً: هَبْ أن إنساناً سيرمي لك بتفاحة، وآخر سيرميك بحجر في نفس الوقت، فماذا تفعل؟ تأخذ التفاحة، أو تتقي أَذى الحجر؟ هذا هو معنى " دَرْء المفسدة مُقدَّم على جَلْب المصلحة ".