الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ }

أي: لو يعلمون ما يحدث لهم في هذا الوقت حين لا يستطيعون دَفْع النار عن وجوههم، وذَكر الوجه بالذات لأنه أشرف أعضاء الإنسان وأكرمها لذلك إذا أصابك أذىً في وجهك تحرص على إزالته بيدك، وأنت لم تفعل أكثر من أنك نقلْتَ الأذى من وجهك إلى يدك، لماذا؟ لأن الوجه عزيز عليك، لا تقبل إهانته، ولا تتحمَّل عليه أيَّ سوء. فقوله تعالى: { لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ.. } [الأنبياء: 39] دلاَلة على إهانتهم { وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ.. } [الأنبياء: 39] لأنها تأتيهم من كل مكان: { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [الأنبياء: 39] أي: لا يجدون مَنْ ينقذهم، أو يأخذ بأيديهم ويدفع عنهم. حتى الشيطان الذي أغواهم وأغراهم في الدنيا سيتبرّأ منهم يوم القيامة، ويقول:مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ.. } [إبراهيم: 22] وأصرخه: أزال سبب صراخه، والهمزة في أصرخه تسمى همزة إزالة، تقول: صرخ فلان إذا وقع عليه ما هو فوق طاقته واحتماله، فيصرخ صرخةً يستدعي بها مَنْ يغيثه ويُعينه، فإنْ أجابه وأزال ما هو فيه فقد أصرخه، يعني: أزال سبب صراخه. فالمعنى: لا أدافع عنكم، ولا تدافعون عني، ولا أنقذكم من العذاب، ولاتنقذونني. وفي موضع آخر:كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [الحشر: 16] فحظُّ الشيطان أنْ يُوقِعك في المعصية، ثم يتبرأ منك. فما جواب لو هنا؟ المعنى: لو يعلم الذين كفروا الوقت الذي لا يكفُّون فيه النار عن وجوههم، ولا عن ظهورهم ولا يُنصرون لكفّوا عما يُؤدِّي بهم إلى ذلك، وانتهَوْا عن أسبابه. ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ... }.