الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ }

أي: على فَرْض أنْ قال أحدهم هذا القول، إذن: هذا كلام لم يحدث، ولا يمكن أنْ يُقال منهم { فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 29] لماذا؟ لأنهم أخذوا الظُّلم في أعلى مراتبة وعنُفوانه وطغيانه، ظلم في مسألة القمةإِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13]. لذلك يُهدّدهم، مع أنهم ملائكة ومكرمون، لكن إنْ بدر من أحدهم هذا القول فجزاؤه جهنم، وفي هذا اطمئنان للخَلْق أجمعين. *** بعد ذلك أراد الحق - سبحانه وتعالى - أنْ يُدلِّل على هذه الوحدانية التي أكَّدها في كلامه السابق، والوحدانية في طَيِّها الأحدية، لأن هناك فَرْقاً بينهما، وليسا مترادفين كما يظن البعض، فواحد وأحد وَصفْان لله عز وجلقُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] وقال:ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } [الرعد: 16]. فالواحد أي: الفرد الذي لا يُوجد له نظير، وهذا الواحد في ذاته أحد أي: ليس له أجزاء، فالواحدية تمنع أنْ يُوجد فَرْد مثله، والأحدية تمنع أن يكون في ذاته مُكوّناً من أجزاء لأنه سبحانه لو كوّن من أجزاء لصار كل جزء محتاجاً في وجوده إلى الجزء الآخر، فلا احتياج له في وجوده ليكوِّن كله، إذنْ: فلا هو كليّ، ولا هو جزئي. فاختار سبحانه للتدليل آيات الكون الموجودة والمشهودة التي لا يمكن أنْ ينكرها أحد لأنها آيات مُرتّبة واضحة ونافعة في الوقت نفسه، فقد يكون المرئي واضحاً لكن لا حاجة لك فيه - فالإنسان يشعر بمنفعة الشمس لو غابت عنه، ويشعر بمنفعة المطر إن امتنعت السماء عن المطر.. إلخ. فمشهودية هذه الآيات تقتضي الالتفات إليها، والنفعية فيها تقتضي أيضاً الالتفات إليها، حتى وهي غائبة عنك، فتنظر وتتطلع إلى عودتها من جديد. فيقول الحق سبحانه: { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ... }.