الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ }

هذه الكلمة لا إله إلا هو هي قمة العقيدة، وقال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: " خير ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله ". وما دام لا إله إلا الله، فهو سبحانه المؤْتَمن عليك، فليس هناك إله آخر يُعقِّب عليه، فاعمل لوجهه يكْفك كل الأوجه وتريح نفسك أن تتنازعك قوى شتى ومختلفة، ويُغنيك عن كل غنى. " وحينما دخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم مع أبي بكر - رضي الله عنه - لم يفهم من كلامهما شيئاً، فقال: يا رسول الله أنا لا أُحسن دندنتك ولا دندنة أبي بكر، أنا لا أعرف إلا: لا إله إلا الله محمد رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: " حَوْلَها ندندن يا أخا العرب ". فهي الأساس والمركز الذي يدور حوله الإسلام. وكلمة اللهُ عَلَم على واجب الوجود بكل صفات الكمال له، فهو الله الموجود، الله القادر، الله العالم، الله الحيّ، الله المحيي، الله الضار. فكل هذه صفات له سبحانه، لكن هذه الصفات لما بلغتْ حَدَّ الكمال فيه تعالى أصبحتْ كالاسم العَلَم، بحيث إذا أُطلِق الخالق لا ينصرف إلا له، والرازق لا ينصرف إلا له. وقد يشترك الخلْق مع الخالق في بعض الصفات، كما في قوله تعالى:وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ.. } [النساء: 8]. فالإنسان أيضاً يرزق، لكن رزقه من باطن رزق الله، فهو سبحانه الرازق الأعلى، ومن بَحْره يغترف الجميع. وكما في قوله تعالى:فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [المؤمنون: 14] وقال تعالى:وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً.. } [العنكبوت: 17]. ومعنى ذلك أن هناك خالقين غيره سبحانه، ومعنى الخَلْق: الإيجاد من عدم، فالذي جاء بالرمل وصنع منه كوباً فهو خالق للكوب، فأنت أوجدتَ شيئاً من عدم، والله تعالى أوجد شيئاً من عدم، ولكنك أوجدت من موجود الله قبل أن توجد أنتَ، فهو - إذن - أحسن الخالقين في حين لم يضِنّ عليك ربك بأنْ ينصفك ويسميك خالقاً. وهذا يوجب عليك أنْ تنصفه سبحانه وتقولأَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [المؤمنون: 14]. وأيضاً، فإن الله تعالى إذا احترم إيجادك لمعدوم فسمَّاك خالقاً له، ولم يَضِنّ عليك فأعطاك صفة من صفاته إنما أخبرك أنه أحسن الخالقين لأنك تُوجِد معدوماً يظل على إيجادك ويجمد على هذه الحالة، لكن الخالق - سبحانه وتعالى - يُوجِد معدوماً ويمنحه الحياة، ويجعله يلتقي بمثله ويُنجب، فهل يستطيع الإنسان الذي أوجد كوباً أن يجعل منه ذكراً وأنثى ينتجان لنا الأكواب؟! وهل يكبر الكوب الصغير، أو يتألم إنْ كُسِر مثلاً؟! إذن: فالخالق سبحانه هو أحسن الخالقين، وكذلك هو خير الرازقين، وخَيْر الوارثين، وخَيْر الماكرين.

السابقالتالي
2