الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ }

قوله: { مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً.. } [طه: 74] يعني مُجرِّماً عمل الجريمة، والجريمة أنْ تكسر قانوناً من قوانين الحق - عز وجل - كما يفعل البشر في قوانينهم، فيضعون عقوبة لمَنْ يخرج عن هذه القوانين، لكن ينبغي أن تُعيِّن هذه الجريمة وتُعلَن على الناس، فإذا ما وقع أحد في الجريمة فقد أعذر من أنذر. إذن: لا يمكن أن تعاقب إلا بجريمة، ولا توجد جريمة إلا بنص. وقوله: { يَأْتِ } أي: هو الذي سيأتي رغم إجرامه، ورغم ما ينتظره من العذاب. لكن لماذا خاطبوه بلفظ الإجرام؟ لأنه قال:فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ.. } [طه: 71] ولم يفعلوا أكثر من أنْ قالوا كلمة الحق، فأيُّنا إذنْ المجرم؟ وقوله تعالى: { فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } [طه: 74] لأن الموت سَيُريحهم من العذاب لذلك يتمنَّوْنَ الموت، كما جاء في قوله تعالى:وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ.. } [الزخرف: 77] فيأتي ردهإِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } [الزخرف: 77]. وفَرْقٌ بين عذاب وموت، فالموت إنهاء للحياة، وليس بعد الموت إيلام، أمَّا العذاب فلا ينشأ إلا مع الحياة لأنه إيلام حَيٍّ. لذلك، فالحق - تبارك وتعالى - لما عرض لهذه المسألة في قصة سليمان عليه السلام والهدهد وأن سليمان قال:لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ.. } [النمل: 21] فالعذاب شيء، والذبح شيء آخر لأنه إنهاء للحياة الحاسة. ومعنى: { لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } [طه: 74] أن هناك مرحلة وحلقة بين الموت والحياة، حيث لا يموت فيستريح، ولا يحيى حياةً سالمة من العذاب، فبقاؤهم في جهنم في هذه المرحلة، التي لا هي موت ولا هي حياة.