الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ }

الخوف: شعور في النفس يُحرِّك فيك المهابة من شيء، ومِمَّ يخافان؟ { أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ.. } [طه: 45] يفرط: أي: يتجاوز الحد.. ومضادها: فرَّط يعني: قصّر في الأمر لذلك يقولون: الوسط فضيلة بين إفراط وتفريط. ومَنْ أفرط يقولون: فَرَس فارط عندما يسبق في المضمار. ويقولون: حاز قَصْب السبق، وكانوا يضعون في نهاية المضمار قصبة يركزونها في الأرض، والفارس الذي يلتقطها أولاً هو الفائز، والفرس فارط يعني: سبق الحدِّ المعمول له، لا مجرد أن يسبق غيره. لذلك عندما يُحدِّثنا القرآن عن الحدود، يقول مرة:تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا.. } [البقرة: 229] أي: إياك أن تسبق الحد الذي وُضِع لك ومرة أخرى يقول:تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا.. } [البقرة: 187] ففي المحلّلات قالفَلاَ تَعْتَدُوهَا.. } [البقرة: 229] قِفُوا على الحدِّ لا تسبقوه، وفي المحرمات قالفَلاَ تَقْرَبُوهَا.. } [البقرة: 187] لأنك لو اقتربتَ منها وقعتَ فيها. فالمعنى إذن { يَفْرُطَ عَلَيْنَآ.. } [طه: 45] يتجاوز الحدّ، وربما عاجلنا بالقتل قبل أن نقول شيئاً فيسبق قتلُه لنا كلامنا له. وقوله تعالى: { أَوْ أَن يَطْغَىٰ } [طه: 45] فلا يكتفي بقتلنا، بل ويخوض في حَقِّ ربنا، أو يقول كلاماً لا يليق، كما سبق له أن ادَّعى الألوهية. ومن واجب الدعاة ألاَّ يَصِلوا مع المدعوين إلى درجة أن يخوضوا في حقِّ الله تبارك وتعالى لذلك فالحق سبحانه يُؤدِّب المؤمنين به بأدب الدعوة في مجابهة هؤلاء فيقول:وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ.. } [الأنعام: 108]. ثم يقول الحق سبحانه: { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ... }.