الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ هَارُونَ أَخِي }

فاختار أخاه هارون ليعينه في مهمة الرسالة. ثم أوضح العلّةَ في ذلك، فقال في آية آخرى:وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً.. } [القصص: 34]. وهكذا يتكامل موسى وهارون ويُعوِّض كل منهم النقص في أخيه. ويُقال: إن هارون - عليه السلام - كان يمتاز على موسى في أمور أخرى، فكان به لِينٌ وحِلْم، وكان موسى حاداً سريع الغضب، فكان هارون للِّين، وموسى للشدة. ويتضح هذا حينما عاد موسى إلى قومه، وقد تركهم في صُحْبة أخيه هارون فعبدوا العجل فاشتد غضبه، كما قال تعالى:وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً.. } [الأعراف: 150]. تم احتدّ على أخيه، وجذبه من ذَقْنه، وظهرتْ حِدَّته. وقَسْوته، فماذا قال هارون؟قَالَ ٱبْنَ أُمَّ.. } [الأعراف: 150] ليستعطفه ويُذكِّره برأفة الأم وحنانهالاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي.. } [طه: 94]، كأنه يقول لأخيه: اضربني كما تريد، لكن لا تروعني في لحيتي، وفي رأسي. إذن: فالفصاحة في هارون تجبر العُقدة في لسان موسى، واللين يجبر الشدة والحدة. وأيضاً فإن موسى - عليه السلام - كان أسمر اللون، أجعد الشعر، أقنى الأنف، أما هارون فكان أبيض اللون، مُرْسَل الشعر، وسيم التقاطيع والملامح، ترتاح له الأبصار، فمَنْ لم يرتَحْ لموسى ارتاح لهارون. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن ينزل الوحي عليه في صورة دِحيْة الكلبي، وكان - رضي الله عنه - وسيماً، ترتاح له العين لرؤيته، فكان جبريل - عليه السلام - ينزل عليه في هذه الصورة لِيُؤنسه. وموسى - عليه السلام - مع ما تميَّز به أخوه هارون عليه من هذه الصفات لم يحقد على أخيه، ولم ينظر إليه على أنه أفضل منه، إنما جعل صفات أخيه مكملة لصفاته، والجميع من أجل أداء الرسالة وتبليغها على وجهها الأكمل، فلم ينظر إلى نفسه ونجاحه هو، وإنما إلى نجاح المهمة التي كلّفه الله بها. ويجب أنْ يشيعَ هذا الخُلق بين الناس، فإنْ رأيت خَصْلةَ خَيْر في غيرك، أو وجهاً من وجوه الكمال في غيرك، فاحمد الله عليها، واعلم أنها سيعود عليك نفعها، وستجبر ما عندك من نقص فلا تحقد عليه لأنه سيتحمل ما فيك من قصور، وتنتفع أنت بخيره. ثم يقول الحق سبحانه أن موسى - عليه السلام - قال: { ٱشْدُدْ بِهِ... }.