الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي }

وزيراً: أي: معيناً وظهيراً. والحق - سبحانه وتعالى - لما أراد أنْ يُخوِّف الناس من الآخرة قال:كَلاَّ لاَ وَزَرَ * إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } [القيامة: 11-12]. أي: لا ملجأ ولا معين تفزع إليه إلا الله، فالوزير من وَزَر، ويطلب الوزير حين لا يستطيع صاحب الأمر القيام به بمفرده، فيحتاج إلى مَنْ يعينه على أمره، وهو وزير إنْ كان ناصحاً أميناً يُعين صاحبه بصِدْق، فإنْ كان غاشَّاً لئيماً يعمل لصالح نفسه، فليس بوزير، بل هو وِزْر ، ومنه قوله تعالى:وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ.. } [فاطر: 18]. وفي الحديث النبوي الشريف: " خَيْر الملوك ملك جعل الله له وزيراً، إنْ نسي ذكَّره، وإنْ نوى على خير - مجرد نيّة - أعانه، وإن أراد شرّاً كفَّه... ". تلك علامات الوزير الناصح للرعية كما بيَّنتها سياسة السماء لأن لكل حاكم بطانتين: واحدة تأمر بالمعروف، وأخرى تأمر بالمنكر كما جاء في الحديث الشريف. فإنْ كانت هذه هي سياسة السماء، فماذا عن سياسة البشر؟ يقول أنو شروان: إياكم أنْ تفهموا أن أحداً مِنَّا يستغني عن أحد، فلكُلِّ واحد مهمته، فإنْ زدت في شيء فقد نقصت في أشياء، جعلها الله في غيرك ليكمل بها نقصك، فالمعايشة مشتركة، لكن هذه المشاركة تفرضها الضرورة لا التفضّل، وإلاَّ لو لم يتفضّل عليك غيرك فماذا تفعل؟ وسبق أن ضربنا مثلاً لحاجة الناس بعضهم لبعض، قلنا: ماذا يحدث لو امتنع رجال الصرف الصحي أو الكناسون عن العمل لعدة أيام؟ أما لو غاب الوزراء لعدة أيام فلن يحدث شيء. إذن: لا تظن أنك أفضل من الآخرين لأن لكل منهم مهمة يؤديها، فإنْ كنتَ خيراً منه في هذه فهو خير منك في هذه لأن مجموع مواهب كل إنسان يساوي مجموع مواهب الآخر، فإنْ قلتَ: فلماذا وُجِد التفاوت بين الناس؟ قالوا: لتكون هناك ضرورة في حاجة بعضنا لبعض، فلو تساوَى الجميع لقلنا لجماعة منا: تفضّلوا بكنس الشوارع يوم كذا فلن يتفضلوا، أما إنْ ألجأتْهم الحاجة إلى مثل هذا العمل فسوف يسارعون إليه، كما نرى الآن في أشقِّ المهن وأصعب المهام التي ينفر منها الناس بل ويحتقرونها ترى صاحبها مُقبلاً عليها حريصاً على القيام بها، رغم ما فيها من مشقّة، بل ويغضب إنْ لم يجد فرصة للعمل، لماذا؟ لأنه مصدر قُوته وقُوت عياله. وبهذه النظرة لا يتعالى أحد أو يستكبر ليحدث في المجتمع توازن استطراقي. وقوله: { مِّنْ أَهْلِي } [طه: 29] أي: ليكون مأموناً عليَّ. وهذا المطلب من موسى - عليه السلام - يشير لأدب عال من آداب النبوة، وقد اختار الله موسى للرسالة، فلماذا يشرك معه أخاه في هذه المهمة؟ إذن: موسى لا يريد أنْ يفخَر بالرسالة، أو يتعالى بها، أو يطغى، إنما يريد أن يقوم بها على أكمل وجه لذلك يحاول أنْ يُكمل ما فيه من نقص بأخيه ليُعينه على تبليغ رسالته، ولو أراد الاستئثار بالرسالة ما طلب هذا الطلب. وهذا نموذج يجب أنْ يُحتذَى، فإنْ كُلِّفت بأمر فوق طاقتك فلا غبارَ عليك أن تستعين عليه بغيرك، فهذا دليل على إخلاصك للمهمة التي كُلِّفت بها.