الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }

كأن الحق - تبارك وتعالى - يُعزِّي رسوله صلى الله عليه وسلم ويُخفِّف عنه ما يعانيه من كفر القوم وعنادهم بقوله له: اقبلهم على عِلاَّتهم، فهُمْ أولاد آدم، والعصيان أمر وارد فيهم، وسبق أن عهدنا إلى أبيهم فنسى، فإذا نسى هؤلاء فاقبل منهم فهم أولاد " نسَّاي ". لذلك، إذا أوصيتَ أحداً بعمل شيء فلم يَقُمْ به، فلا تغضب، وارجع الأمر إلى هذه المسألة، والتمس له عُذْراً. وقوله: { عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ.. } [طه: 115] أي: أمرنا ووصَّيْنا ووعظنا، وقلنا كل شيء. { مِن قَبْلُ.. } [طه: 115] هذه الكلمة لها دَوْر في القرآن، وقد حسمتْ لنا مواقف عدة، منها قوله هنا عن آدم والمراد: خُذْ لهم أُسْوة من أبيهم الذي كلّفه الله مباشرة، ليس بواسطة رسول، وكلّفه بأمر واحد، ثم نهاه أيضاً عن أمر واحد: كُل من كُلِّ الجنة إلا هذه بأمر واحد، ثم نهاه أيضاً عن أمر واحد: كُل من كُلِّ الجنة إلا هذه الشجرة، هذا هو التكليف، ومع ذلك نسى آدم ما أُمِر به. إذن: حينما يأتي التكليف بواسطة رسول، وبأمور كثيرة، فمَنْ نسى من ولد آدم فيجب أنْ نعذره ونلتمس له عذراً، ولكثرة النسيان في ذرية آدم قال تعالى:وَإِنِّي لَغَفَّارٌ.. } [طه: 82] بالمبالغة لأن الجميع عُرْضَة للنسيان وعُرْضة للخطأ، فالأمر - إذن - يحتاج إلى مغفرة كثيرة. كذلك جاءتْ من قبل في قوله تعالى:فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ.. } [البقرة: 91]. فكان لها دور ومَغْزى، فلو قال الحق سبحانه: فَلِمَ تقتلون أنبياء الله؟ فحسْب، فربما جرَّأهم على الاعتداء على رسول الله أنْ يقتلوه، أو يفهم منها رسول الله أنه عُرْضة للقتل كما حدث مع سابقيه من الأنبياء. لذلك قيَّدها الحق - تبارك وتعالى - وجعلها شيئاً من الماضي الذي لن يكون، فهذا شيء حدث من قبل، وليس هذا زمانه. وقوله: { فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [طه: 115] أي: نسي العَهْد، هذه واحدة. { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [طه: 115] ليس عنده عزيمة قوية تُعينه على المضيِّ والثبات في الأمر. فالحق - تبارك وتعالى - يريد أن يعطينا فكرة بأنه سبحانه حين يأمر بأمْر فيه نفع لك تتهافت عليه، أمّا إذا أمر بشيء يُقيِّد شهواتك تأبَّيْتَ وخالفتَ، ومن هنا احتاج التكليف إلى عزيمة قوية تعينك على المضيّ فيه والثبات عليه، فإنْ أقبلتَ على الأمر الذي يخالف شهوتك نظرتَ فيه وتأملتَ: كيف أنه يعطيك شهوة عاجلة زائلة لكن يعقبها ذلٌّ آجل مستمر، فالعَزْم هنا ألاَّ تغريك الشهوة. ألا ترى أن الله تعالى سمَّى الرسل أصحاب الدعوات والرسالات الهامة في تاريخ البشرية

السابقالتالي
2 3