الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً }

الوجه أشرف وأكرم شيء في تكوين الإنسان، وهو الذي يُعطِي الشخص سِمَته المميزة لذلك يحميه الإنسان ويحفظه، ألاَ ترى لو أصاب وجهك غُبَار أو تراب أو طين مثلاً تمسحه بيدك، لم تزِدْ على أنك جعلْتَ ما في وجهك في يدك لماذا؟ لأنه أشرف شيء فيك. لذلك، كان السجود لله تعالى في الصلاة علامة الخضوع والخشوع والذلَّة والانكسار له عز وجل، ورضيتَ أن تضع أشرف جزءٍ فيك على الأرض وتباشر به التراب، والإنسان لا يعنُو بوجهه إلا لمَنْ يعتقد اعتقاداً جازماً بأنه يستحقُّ هذا السجود، وأن السجود له وحده يحميه من السجود لغيره، كما قال الشاعر:
والسُّجُودُ الذِي تَجْتَوِيِه   مِن أُلُوفِ السُّجُودِ فيهِ نَجَاةُ
فاسْجُدْ لواحد يكْفك السجود لسواه، واعمل لوجه واحد يكْفك كل الأوْجُه. وقوله: { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } [طه: 111] حمل: يعني أخذه عبئاً ثقيلاً عليه. والظلم في أصله أنْ تأخذَ خيراً ليس لك لتنتفع به وتزيد ما عندك، فأنت في الظاهر تزداد كما تظن، إنما الحقيقة أنك تُحمِّل نفسك وِزْراً وحملاً ثقيلاً، سوف تنوء به، وازددْتَ إثماً لا خيراً. والظلم مراتب ودرجات، أدناها أنْ تأخذ ما ليس لك وإن كان حقيراً لا قيمة له، أو تظلم غيرك بأنْ تتناوله في عِرْضه، ثم ترقى الظلم إلى أنْ تصلَ به إلى القمة، وهو الشرك بالله، كما قال سبحانه:إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13]. وهو عظيم لأنك أخذتَ حقّاً لله تعالى، وأعطيته لغيره. إذن: فحاول أن تَسْلَم من هذه الآفة لأن الله قال فيها:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ.. } [النساء: 48]. ثم يقول الحق سبحانه: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ... }.