الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً }

الداعي: المنادي، كالمؤذِّن الذي كثيراً ما دعا الناس إلى حضرة الله تعالى في الصلاة، فمنهم مَنْ أجاب النداء، ومنهم مَنْ تأبَّى وأعرض، أما الداعي في الآخرة، وهو الذي ينفخ في الصور فلن يتأبَّى عليه أحد، ولن يمتنع عن إجابته أحد. وقوله: { لاَ عِوَجَ لَهُ.. } [طه: 108] لأننا نرى داعي الدنيا حين يُنادِي في جَمْع الناس، يتجه يميناً ويتجه يساراً، ويدور ليُسمع في كُلِّ الاتجاهات، فإذا لم يَصِلْ صوته إلى كل الآذان استيعاباً يستعمل مُكبِّر الصوت مثلاً، أما الداعي في الآخرة فليس له عوج هنا أو هناك لأنه يُسمِع الجميع، ويصل صوته إلى كل الآذان، دون انحراف أو ميْل. ثم يقول تعالى: { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [طه: 108] هذا الهمْسُ الذي قال عنه في الآيات السابقة:يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ.. } [طه: 103]. ونعرف أن كل تجمُّع كبير لا تستطيع أنْ تضبط فيه جَلبة الصوت، فما بالك بجَمْع كجمع القيامة من لَدُنْ آدم عليه السلام حتى قيام الساعة، ومع ذلك: { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [طه: 108] فلماذا كتمت هذه الأصوات التي طالما قالتْ ما تحب، وطالما كان لها جلبة وضجيج؟ الموقف الآن مختلف، والهَوْل عظيم، لا يجرؤ أحد من الهَوْل على رَفْع صوته، والجميع كُلٌّ منشغل بحاله، مُفكّر فيما هو قادم عليه، فإنْ تحدّثوا تحدّثوا سِرّاً ومخافتة: ماذا حدث؟ ماذا جرى؟ وكذلك نحن في أوقات الشدائد لا نستطيع الجهر بها، كما حدث لما مات سعد زغلول - رحمه الله - وكان أحمد شوقي وقتها في لبنان، فسمع الناسَ يتخافتون، ويهمس بعضهم إلى بعض بأن سعداً قد مات، ولا يجرؤ أحد أن يجهر بها لِهَوْل هذا الحادث على النفوس، فقال شوقي:
يَطأُ الآذَانَ هَمْساَ والشِّفَاهَا   
قُلْتُ يا قَوْم اجمعُوا أحْلامكُمْ   كُلُّ نَفْسٍ في وَريديْها رَدَاهَا
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ... }.