الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }

هذه الآية الكريمة جاءت في القسم الثاني من اليهود وهو المقابل للأميين.. وهم إما أميون لا يعلمون الكتاب.. وإما يعلمون ولكنهم يغيرون فيه ويكتبونه بأيديهم ويقولون هذا من عند الله. ولذلك توعدهم الله تبارك وتعالى فقال: ويل لهم، وبدأ الآية بالوعيد بالجزاء مباشرة. نلاحظ أن كلمة ويل في اللغة تستعمل معها كلمتا ويح وويس.. وكلها تعني الهلاك والعذاب.. وتستعمل للتحسر على غفلة الإنسان من العذاب.. واقرأ قوله تعالى:يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا.. } [الكهف: 49]. وقوله جل جلاله:يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا.. } [الأنبياء: 97]. هذه الويلات تعني الحسرة وقت رؤية العذاب.. وقيل إن الويل وَادٍ في جهنم يهوي الإنسان فيه أربعين خريفا والعياذ بالله.. والحق تبارك وتعالى ينذر الذين يكتبون الكتاب بأيديهم أن عذابهم يوم القيامة سيكون مضاعفاً.. لأن كل من ارتكب إثماً نتيجة لتزييفهم للكتاب سيكونون شركاء وسيحملون عذابهم معهم يوم القيامة، وسيكون عذابهم مضاعفاً أضعافاً كثيرة. يقول الحق سبحانه وتعالى: { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } [البقرة: 79].. ألم يكن يكفي أن يقول الحق فويل للذين يكتبون الكتاب ويكون المعنى مفهوما.. يكتبون الكتاب بماذا؟ بأيديهم.. نقول لا.. لأن الفعل قد يتم بالأمر وقد يتم بالفعل.. رئيس الدولة مثلاً يتصل بأحد وزرائه ويقول له ألم أكتب إليك كتاباً بكذا فلماذا لم تنفذه؟ هو لم يكتب هذا الكتاب بيده ولكنهم كتبوه بأمره، ورؤساء الدول نادراً ما يكتبون كتباً بأيديهم. إن الله سبحانه وتعالى يريد هنا أن يبين لنا مدى تعمد هؤلاء للإثم.. فهم لا يكتفون مثلاً بأن يقولوا اكتبوا.. ولكن لاهتمامهم بتزييف كلام الله سبحانه وتزويره يقومون بذلك بأيديهم ليتأكدوا بأن الأمر قد تم كما يريدون تماماً.. فليست المسألة نزوة عابرة.. ولكنها مع سبق الإصرار والترصد.. وهم يريدون بذلك أن يشتروا ثمناً قليلاً، هو المال أو ما يسمى بالسلطة الزمنية.. يحكمون ويكون لهم نفوذ وسلطان. ولقد كان أهل الكتاب في الماضي إذا اختلفوا في شيء.. ذهبوا إلى الكهان والرهبان وغيرهم ليقضوا بينهم.. لماذا؟ لأن الناس حين يختلفون يريدون أن يستتروا وراء ما يحفظ كبرياءهم إن كانوا مخطئين.. يعني لا أنهزم أمامه ولا ينهزم أمامي.. وإنما يقولون ارتضينا حكم فلان.. فإذا كنا سنلجأ إلى تشريع السماء ليحكم بيننا.. لا يكون هناك غالب ومغلوب أو منهزم ومنتصر.. ذلك حين أخضع أنا وأنت لحكم الله يكون كل منا راضياً بنتيجة هذا الحكم. ولكن رجال الدين اليهودي والمسيحي أخذوا يصدرون فتاوى متناقضة.

السابقالتالي
2 3