الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

هذه صور من صور نفاق اليهود. والناس مقسمون إلى ثلاث: مؤمنون وكافرون منافقون.. المؤمن انسجم مع نفسه ومع الكون الذي يعيش فيه.. والكافر ولا انسجم مع نفسه ولم ينسجم مع الكون، والكون يلعنه.. والمنافق لا انسجم مع نفسه ولا انسجم مع الكون، والآية تعطينا صورة من صور النفاق وكيف لا ينسجم المنافق مع نفسه ولا مع الكون.. فهو يقول ما لا يؤمن به.. وفي داخل نفسه يؤمن بما لا يقول.. والكون كله يلعنه، وفي الآخرة هو في الدرك الأسفل من النار. وهذه الآية تتشابه مع آية تحدثنا عنها في أول هذه السورة.. وهي قوله تعالى:وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } [البقرة: 14]. في الآية الأولى كان الدور لليهود، وكان هناك منافقون من غير اليهود وشياطينهم من اليهود.. وهنا الدور من اليهود والمنافقين من اليهود. الحق سبحانه وتعالى يقول: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا } [البقرة: 76] وهل الإيمان كلام؟.. الإيمان يقين في القلب وليس كلاماً باللسان.. والاستدلال على الإيمان بالسلوك فلا يوجد إنسان يسلك سبيل المؤمنين نفاقاً أو رياء.. يقول آمنت نفاقاً ولكن سلوكه لا يكون سلوك المؤمن.. ولذلك كان سلوكهم هو الذي يفضحهم. يقول تعالى: { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } [البقرة: 76].. وفي سورة أخرى يقول الحق:وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ.. } [آل عمران: 119]. وفي سورة المائدة يقول سبحانه:وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ.. } [المائدة: 61]. هنا أربع صور من صور المنافقين.. كلها فيها التظاهر بإيمان كاذب.. في الآية الأولىوَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ } [البقرة: 14] وفي الآية الثانية: { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } [البقرة: 76]. وفي الآية الثالثة:عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } [آل عمران: 119]. وفي الآية الرابعة:وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } [المائدة: 61]. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما بعث كان اليهود يقولون للمؤمنين هذا هو نبيكم موجود عندنا في التوراة أوصافه كذا.. حينئذ كان أحبار اليهود ينهونهم عن ذلك ويقولون لهم: { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ } [البقرة: 76] فكأنهم علموا صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنهم أرادوا أن يخفوها.. إن الغريب أنهم يقولون: { بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } [البقرة: 76]. وإذا كان هذا فتحاً من الله فلا فضل لهم فيه.. ولو أراد الله لهم الفتح لآمنت القلوب.

السابقالتالي
2