الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

يعطينا الحق تبارك وتعالى هنا الحكمة.. فيما رواه لنا عن بني إسرائيل وعن قصصهم. لأنهم سيكون لهم دور مع المسلمين في المدينة، ثم في بيت المقدس، ثم في المسجد الأقصى.. فهو يروي لنا كيف أتعبوا نبيهم وكيف عصوا ربهم. وكيف قابلوا النعمة بالمعصية والرحمة بالجحود. وإذا كان هذا موقفهم يا محمد مع الله ومع نبيهم.. فلا تطمع أن يؤمنوا لك ولا أن يدخلوا في الإسلام، مع أنهم عندهم التوراة تدعوهم إلى الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام.. هذه الآيات تحمل أعظم تعزية للرسول الكريم. وتطالبه ألا يحزن على عدم إيمان اليهود به لأنه عليه البلاغ فقط ولكن حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يؤمن كل أهل الأرض يهودا ونصارى وكفاراً، ليس معناه أنه لم يفهم مهمته، ولكن معناه أنه أدرك حلاوة التكليف من ربه، بحيث يريد أن يهدي كل خلق الله في الأرض.. فيطمئنه الله ويقول له لا تعتقد أنهم سيؤمنون لك. وليس معنى عدم إيمانهم أنك لست صادقاً.. فتكذيبهم لك لا ينبغي أن يؤثر فيك.. فلا تطمع يا محمد أن يؤمنوا لك.. ما هو الطمع؟.. الطمع هو رغبة النفس في شيء غير حقها وإن كان محبوباً لها.. والأصل في الإنسان العاقل ألا يطمع إلا في حقه.. والإنسان أحياناً يريد أن يرفه حياته ويعيش مترفاً ولكن بحركة حياته كما هي. نقول له إذا أردت أن تتوسع في ترفك فلابد أن تتوسع في حركة حياتك لأنك لو أترفت معتمداً على حركة حياة غيرك.. فسيفسد ميزان حركة الحياة في الأرض، أي إن كنت تريد أن تعيش حياة متزنة فعش على قدر حركة حياتك لأنك إن فعلت غير ذلك تسرق وترتشي وتفسد. فإن كان عندك طمع فليكن فيما تقدر عليه. إذن فكلمة " أفتطمعون " هنا تحدد أنه يجب ألا نطمع إلا فيما نقدر عليه. هؤلاء اليهود هل نقدر على أن نجعلهم يؤمنون؟ يقول الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم.. هذا أمر زائد على ما كلفت به.. لأن عليك البلاغ، وحتى لو كان محبباً إلى نفسك.. فإن مقدماتهم مع الله لا تعطيك الأمل في أنك ستصل إلى النتيجة التي ترجوها.. وهذه الآية فيها تسرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما سيلاقيه مع اليهود. وتعطيه الشحنة الإيمانية التي تجعله يقابل عدم إيمان هؤلاء بقوة وعزيمة.. لأنه كان يتوقعه فلا يحزن ولا تذهب نفسه حسرات، لأن الله تبارك وتعالى قد وضع في نفسه التوقع لما سيحدث منهم.. فإذا جاء تصرفهم وفق ما سيحدث.

السابقالتالي
2