الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ }

تعرضنا إلى هذه الآية الكريمة في بداية سورة البقرة.. لأن السورة سميت بهذا الاسم.. ونلاحظ هنا أن الله سبحانه وتعالى أتى بحرف: " وإذ ".. يعني واذكروا: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } [البقرة: 67].. ولم يقل لماذا أمرهم بأن يذبحوا البقرة.. ولابد أن نقرأ الآيات إلى آخر القصة لنعرف السبب في قوله تعالى:وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [البقرة: 72-73]. والمفروض في كل الأمور أن الأمر تسبقه علته.. ولكن هذه عظمة القرآن الكريم.. لأن السؤال عن العلة أولاً معناه أن الأمر صادر من مساو لك.. فإذا قال لك إنسان افعل كذا.. تسأله لماذا حتى أطيع الأمر وأنفذه.. إذن الأمر من المساوي هو الذي تسأل عن علته.. ولكن الأمر من غير المساوي.. كأمر الأب لابنه والطبيب لمريضه والقائد لجنوده.. مثل هذا الأمر لا يسأل عن علته قبل تنفيذه.. لأن الذي أصدره أحكم من الذي صدر إليه الأمر.. ولو أن كل مكلف من الله أقبل على الأمر يسأل عن علته أولاً.. فيكون قد فعل الأمر بعلته. فكأنه قد فعله من أجل العلة.. ومن هنا يزول الإيمان.. ويستوي أن يكون الإنسان مؤمناً أو غير مؤمن.. ويكون تنفيذ الأمر بلا ثواب من الله.. إن الإيمان يجعل المؤمن يتلقى الأمر من الله طائعاً.. عرف علته أو لم يعرف.. ويقوم بتنفيذه لأنه صادر من الله.. ولذلك فإن تنفيذ أي أمر إيماني يتم لأن الأمر صادر من الله.. وكل تكليف يأتي.. علة حدوثه هي الإيمان بالله.. ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يبدأ كل تكليف بقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا ".. أي يا من آمنت بالله ربا وإلهاً وخالقاً.. خذ عن الله وافعل لأنك آمنت بمن أمرك. في هذه الآيات التي نحن بصددها أراد الله تعالى أن يبين لنا ذلك.. فجاء بالأمر بذبح البقرة أولاً.. وبالعلة في الآيات التي روت لنا علة القصة.. وأنت حين تعبد الله فكل ما تفعله هو طاعة لله سبحانه وتعالى.. سواء عرفت العلة أو لم تعرفها، فأنت تؤدي الصلاة لأن الله تبارك وتعالى أمرك بأن تصلي.. فلو أديت الصلاة على أنها رياضة أو أنها وسيلة للاستيقاظ المبكر.. أو أنها حركات لازمة لليونة المفاصل فإن صلاتك تكون بلا ثواب ولا أجر.

السابقالتالي
2 3