الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

وبعد أن تحدث الحق سبحانه وتعالى عن المؤمنين وصفاتهم، وجزائهم في الآخرة وما ينتظرهم من خير كبير.. أراد أن يعطينا تبارك وتعالى الصورة المقابلة وهم الكافرون.. وبين لنا أن الإيمان جاء ليهيمن على الجميع، يحقق لهم الخير في الدنيا والآخرة.. فلابد أن يكون هناك شر يحاربه الإيمان، ولولا وجود هذا الشر.. أكان هناك ضرورة للإيمان.. إن الإنسان المؤمن يقي نفسه ومجتمعه وعالمه من شرور يأتي بها الكفر. والكافرون قسمان: قسم كفر بالله أولاً ثم استمع إلى كلام الله، واستقبله بفطرته السليمة فاستجاب وآمن.. وصنف آخر مستفيد من الكفر ومن الطغيان ومن الظلم ومن أكل حقوق الناس وغير ذلك، وهذا الصنف يعرف أن الإيمان إذا جاء فإنه سيسلبه جاهاً دنيوياً ومكاسب يحققها ظلماً وعدواناً. إذن: الذين يقفون أمام الإيمان هم المستفيدون من الكفر، ولكن ماذا عن الذين كانوا كفارا واستقبلوا دين الله استقبالاً صحيحاً. هؤلاء قد تتفتح قلوبهم فيؤمنون. والكفر معناه الستر.. ومعنى كَفَرَ أي سَتَرَ.. وكفر بالله أي ستر وجود الله جل جلاله، والذي يستر لابد أن يستر موجوداً، لأن الستر طارئ على الوجود.. والأصل في الكون هو الإيمان بالله.. وجاء الكفار يحاولون ستر وجود الله. فكأن الأصل هو الإيمان ثم طرأت الغفلة على الناس فستروا وجود الله سبحانه وتعالى.. ليبقوا على سلطانهم أو سيطرتهم أو استغلالهم او استعلائهم على غيرهم من البشر. ولفظ الكفر في ذاته يدل على أن الإيمان سبق ثم بعد ذلك جاء الكفر.. كيف؟. سجود الملائكة وتعليم الأسماء أمر مشهدي بالنسبة لآدم.. والكفر ساعتها لم يكن موجوداً.. وكان المفروض أن آدم بعد أن نزل إلى الأرض واستقر فيها.. يلقن أبناءه منهج عبادة الله لأنه نزل ومعه المنهج في افعل ولا تفعل وكان على أبناء آدم أن يلقنوا أبناءهم المنهج وهكذا.. لأن الخلق الأول وهو آدم الذي خلقه الله بيديه.. ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة.. وعلمه الأسماء كلها. ولكن بمرور الزمن جاءت الغفلة في أن الإيمان يقيِّد حركة الناس في الكون.. فبدأ كل مَنْ يريد أن يخضع حياته لشهوة بلا قيود يتخذ طريق الكفر.. والعاقل حين يسمع كلمة كفر.. يجب عليه أن يتنبه إلى أن معناها ستر لموجود واجب الوجود.. فكيف يكفر الإنسان ويشارك في ستر ما هو موجود.. لذلك تجد أن الحق سبحانه وتعالى يقول:كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

السابقالتالي
2 3