الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

بعد أن لفت الله أنظار اليهود إلى أن عدم إيمانهم بالإسلام هو كفر بالتوراة.. لأن تعاليم التوراة تآمرهم أن يؤمنوا بالرسول الجديد، وقد أعطوا أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزمنه في التوراة، وأمروا أن يؤمنوا به. قال تبارك وتعالى: { أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ } [البقرة: 44] لقد كان اليهود يبشرون بمجيء رسول جديد، ويعلنون أنهم سيؤمنون به. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن من قومهم كفروا به لأنهم كانوا يريدون أن تكون السطوة لهم بأن يأتي الرسول الجديد منهم. فلما جاء من العرب.. عرفوا أن سطوتهم ستزول، وأن سيادتهم الاقتصادية ستنتهي، فكفروا بالرسول وبرسالته. ولابد أن ننبه إلى أنه إذا كانت هذه الآيات قد نزلت في اليهود، فليس معناها أنها تنطبق عليهم وحدهم، بل هي تنطبق على أهل الكتاب جميعاً، وغير المؤمنين. فالعبرة ليست بخصوص الموضوع، ولكن العبرة بعموم السبب. إن الكلام منطبق هنا حتى على المسلمين الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً وهؤلاء هم خطباء الفتنة الذين رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تقرض شفاهم بمقارض من نار. فسأل: مَنْ هؤلاء يا جبريل: فقال خطباء الفتنة. إنهم الذين يزينون لكل ظالم ظلمه. ويجعلون دين الله في خدمة أهواء البشر. وكان الأصل أن تخضع أهواء البشر لدين الله، وهؤلاء هم الذين يحاولون - تحت شعار التجديد - أن يجعلوا للناس حجة في أن يتحللوا من منهج الله. فهم يبررون ما يقع. ولا يتدبرون حساب الآخرة. إن علماء الدين الذين يحملون منهج الله ليس من عملهم تبرير ما يقع من غيرهم، ومنهج الله لا يمكن أن يخضع أبداً لأهواء البشر، وعلى الذين يفعلون ذلك أن يتوبوا ويرجعوا إلى الله، ويحاولوا استدراك ما وقع منهم لأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. وقوله الحق سبحانه وتعالى: { أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ } [البقرة: 44] يعطينا منهجاً آخر من مناهج الدعاة. لأن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحمل منهج الله.. يريد أن يخرج من لا يؤمن من حركة الباطل التي ألفها. وإخراج غير المؤمن من حركة الباطل أمر شاق على نفسه لأنه خروج عن الذي اعتاده، وبُعد عما ألفه، واعتراف أنه كان على باطل لذلك فهو يكون مفتوح العينين على مَنْ بَيَّنَ له طريق الإيمان ليرى هل يطبق ذلك على نفسه أم لا؟ أيطبق الناهي عن المُنكر ما يقوله؟ فإذا طبقه عرف أنه صادق في الدعوة، وإذا لم يطبقه كان ذلك عذراً ليعود إلى الباطل الذي كان يسيطر على حركة حياته. إن الدين كلمة تقال، وسلوك يفعل.

السابقالتالي
2