الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ }

بعد أن ذَكَّرَ الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل بالعهود التي قطعوها على أنفسهم سواء بعدم التبديل والتغيير في التوراة لإخفاء أشياء وإضافة أشياء، وذكرهم بعهدهم بالنسبة للإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكر الله سبحانه وتعالى أوصافه في التوراة حتى أن الحَبْر اليهودي ابن سلام كان يقول لقومه في المدينة: لقد عرفته حين رأيته كمعرفتي لابني ومعرفتي لمحمد أشد، أي أنه كان يُذَكِّرُ قومه أن أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم الموجودة في التوراة لا تجعلهم يخطئونه. قال الحق تبارك وتعالى: { وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } [البقرة: 41] لأن القرآن مصدق للتوراة. والقصد هنا التوراة الحقيقية قبل أن يحرفوها. فالقرآن ليس موافقاً لما معهم من المحرف أو المبدل من التوراة، بل هو موافق للتوراة التي لا زيف فيها. ثم يقول الحق تبارك وتعالى: { وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } [البقرة: 41].. ولقد قلنا إن اليهود لم يكونوا أول كافر بمحمد صلى الله عليه وسلم وإنما كانت قريش قد كفرت به في مكة. المقصود في هذه الآية الكريمة أول كافر به من أهل الكتاب. لماذا؟ لأن قريشا لا صلة لها بمنهج السماء، ولا هي تعرف شيئاً عن الكتب السابقة، ولكن أحبار اليهود كانوا يعرفون صدق الرسالة، وكانوا يستفتحون برسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل المدينة ويقولون: " جاء زمن رسول سنؤمن به ونقتلكم قتل عاد وإرم ". ولما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلاً من أن يسارعوا بالإيمان به كانوا أول كافر به. والله سبحانه وتعالى لم يفاجئ أهل الكتاب بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما نبههم إلى ذلك في التوراة والإنجيل. ولذلك كان يجب أن يكونوا أول المؤمنين وليس أول الكافرين، لأن الذي جاء يعرفونه. وقوله تعالى: { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً } [البقرة: 41] الحق سبحانه وتعالى حينما يتحدث عن الصفقة الإيمانية يستخدم كلمة الشراء وكلمة البيع وكلمة التجارة. اقرأ قوله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ.. } [التوبة: 111]. وفي آية أخرى يقول:هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ.. } [الصف: 10-11]. إن الحق سبحانه وتعالى استعمل كلمة الصفقة والشراء والبيع بعد ذلك في قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ.. } [الجمعة: 9]. ونعلم أن التجارة هي وساطة بين المنتج والمستهلك.. المنتج يريد أن يبيع إنتاجه، والمستهلك محتاج إلى هذا الإنتاج، والربح عملية تطول فترة، وتقصر فترة مع عملية تحرك السلعة والإقبال عليها إن كان سريعاً أو بطيئاً.

السابقالتالي
2 3