الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ }

بعد أن قص الله علينا قصة الخلق وكيف بدأت بآدم، وعداوة إبليس لآدم، وسببها، ثم قص علينا التجربة الأولى للمنهج في إحدى الجنات، وكيف أن آدم تعرض للتجربة فأغواه الشيطان وعصى. ثم نزل إلى الأرض مسلحاً بمنهج الله، ومحمياً بالتوبة من أن يطغى. بدأت مهمة آدم على الأرض. إن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يعرض علينا موكب الرسالات وكيف استقبل بنو آدم منهج الله بالكفر والعصيان. فاختار جل جلاله قصة بني إسرائيل لأنها أكثر القصص معجزات، وأنبياء بني إسرائيل من أكثر الأنبياء الذين أرسلوا لأمة واحدة وليس معنى هذا أنهم مفضلون. ولكن لأنهم كانوا أكثر الأمم عصياناً وآثاماً فكانوا أكثرهم أنبياء. كانوا كلما خرجوا من معجزة انحرفوا، فتأتيهم معجزة أخرى، فينحرفون. وهكذا حكم الله عليهم لظلمهم أن يتفرقوا في الأرض ثم يتجمعوا مرة أخرى في مكان واحد، ليذوقوا العذاب والنكال جزاء لهم على معصيتهم وكفرهم. ولذلك أخذت قصة بني إسرائيل ذلك الحجم الضخم في كتاب الله، وفي تثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فموسى عليه السلام الذي أرسله الله إلى بني إسرائيل من أولي العزم من الرسل. ولذلك فإنك تجد فيه تربية أولاً، وتربية ثانياً.. ولابد أن نلتفت إلى قول الحق سبحانه وتعالى: { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ } [البقرة: 40] فالحق جل جلاله. حين يريد أن ينادي البشر جميعاً يقول: { يَابَنِيۤ ءَادَمَ } واقرأ قوله تعالى:يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ.. } [الأعراف: 31]. وقوله سبحانه:يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ.. } [الأعراف: 27]. لماذا يخاطبنا الله تعالى بقوله: يا بني آدم؟ لأنه يريد أن يذكرنا بنعمه علينا منذ بداية الخلق. لأن هذه النعم تخص آدم وذريته. فالله تعالى خلق آدم بيديه. وأمر الملائكة أن تسجد له. وأعد له كوناً مليئاً بكل ما يضمن استمرار حياته. ليس بالضروريات فقط، ولكن بالكماليات. ثم دربه الحق على ما سيتعرض له من إغواء الشيطان، وأفهمه أن الشيطان عدو له. ثم علمه كلمات التوبة، ليتوب عليه، وأمده بنعم لا تعد ولا تحصى. فالله سبحانه وتعالى يريد أن يذكرنا بكل ذلك حتى نخجل من أن نرتكب معصية بعد كل هذا التكريم للإنسان. فإذا تذكرنا نعم الله علينا.. فإننا نخجل أن نقابل هذه النعم بالمعصية. وقد علمنا الله سبحانه وتعالى علماً ميزنا الله تعالى فيه عن ملائكته. لذا كان يجب أن نظل شاكرين عابدين طوال حياتنا في هذه الدنيا. لكننا نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى بدأ هذه الآية الكريمة بقوله: { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ } [البقرة: 40] لماذا؟ ومن هو إسرائيل؟ إسرائيل مأخوذة من كلمتين: اسر وإيل.. إسر يعني عبد مصطفى أو مختار. وإيل معناها الله في العبرانية.

السابقالتالي
2 3 4 5