الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

الحق سبحانه وتعالى بعد أن أعلمنا أن آدم حين يهبط إلى الأرض سيتلقى من الله منهجاً لحركة حياته. مَنْ اتبعه خرج من حياته الخوف والحزن، وأصبح آمناً في الدنيا والآخرة. أراد الله تعالى أن يعطينا الصورة المقابلة، فالحكم في الآية السابقة كان عن الذين اهتدوا، والحكم في هذه الآية عن الذين كفروا. يقول الحق تبارك وتعالى.. { وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ } [البقرة: 39] والكفر كما بينا هو محاولة ستر وجود الله واجب الوجود، ومحاولة ستر هذا الوجود هو إعلان بأن الله تعالى موجود، فأنت لا تحاول أن تستر شيئاً إلا إذا كان له وجود أولاً. إن الشيء الذي لا وجود له لا يحتاج إلى ستر لأنه ليس موجوداً في عقولنا. وعقولنا لا تفهم ولا تسعى إلا ما هو موجود. توجد الصورة الذهنية أولاً.. ثم بعد ذلك يوجد الاسم أو الصورة الكلامية. ولذلك إذا حدثك إنسان عن شيء ليس له وجود فأنت لا تفهمه، ولا تستطيع أن تعيه إلا إذا شبه لك بموجود. كأن يقال لك: مثل هذا الجبل أو مثل هذه البحيرة، أو مثل قرص الشمس أو غير ذلك حتى تستطيع أن تفهم. فأنت لا تفهم غير موجود إلا إذا شبه بموجود. وكل شيء لابد أن يكون قد وُجِد أولاً. ثم بعد ذلك تجتمع مجامع اللغة في العالم لتبحث عن لفظ يعبر عنه بعد أن وجد في الصورة الذهنية، فلم يكن هناك اسم للصاروخ مثلاً قبل أن يوجد الصاروخ، ولا لسفينة الفضاء قبل أن تخترع، ولا لأشعة الليزر قبل أن تكتشف. إذن فكل هذا وجد أولاً، ووضع له الاسم بعد ذلك. الذين كفروا يحاولون ستر وجود الله، وستر وجود الله سبحانه وتعالى هو إثبات لوجوده، لأنك لا تستر شيئاً غير موجود، وهكذا يكون الكفر مثبتاً للإيمان. وعقلك لا يستطيع أن يفهم الاسم إلا إذا وجد المعنى في عقلك، وأنت لا تجد لغة من لغات العالم، ليس فيها اسم الله سبحانه وتعالى. بل إن الله جل جلاله - وهو غيب عنا - إذا ذكر اسمه فهمه الصغير والكبير، والجاهل والعالم، والذي طاف الدنيا، والذي لم يخرج من بيته. كل هؤلاء يفهمون الله بفطرة الإيمان التي وضعها في قلوبنا جميعاً. إذن الذين كفروا يحاولون ستر وجود الله سبحانه وتعالى.. وقوله تعالى: { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ } [البقرة: 39] والآية هي الشيء العجيب اللافت. فهناك في الكون آيات كونية مثل الشمس والقمر والنجوم والأرض، والجبال والبحار وغير ذلك. هذه تسمى آيات. شيء فوق قدرة البشر خلقها الله سبحانه وتعالى لتكون آية في كونه وتخدم الإنسان. وهناك الآيات وهي المعجزات.

السابقالتالي
2 3