الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

يقول الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية: { قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً } [البقرة: 38] وفي سورة طه يقول جل جلاله:قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } [طه: 123] عندما خاطب الله سبحانه وتعالى بصورة الجمع. كان الخطاب لكل ذرية آدم المطمورة في ظهره، أَمْرُ لهم جميعاً بالهبوط، آدم وحواء والذرية، لأن كل واحد منا إلى أن تقوم الساعة فيه جزىء من آدم. ولذلك لا بد أن نلتفت إلى قول الحق تبارك وتعالى:وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ.. } [الأعراف: 11]. نلاحظ هنا أن الخطاب بصيغة الجمع، فلم يقل الحق سبحانه وتعالى لقد خلقتك ثم صورتك ثم قلت للملائكة اسجدوا لآدم، فكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه ساعة الخلق كان كل ذرية آدم مطمورين في ظهره. خلقهم جميعاً ثم صورهم جميعاً، ثم طلب من الملائكة السجود لآدم. فهل نحن كنا موجودين؟ نعم كنا موجودين في آدم. ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يقول: { ٱهْبِطُواْ } [البقرة: 38] لنعرف أن هذا الخطاب موجه إلى آدم وذريته جميعاً إلى يوم القيامة. ومرة يقول:ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } [طه: 123] لأن هنا بداية تحمل المسئولية بالنسبة لآدم في هذه اللحظة وهي لحظة الهبوط في الأرض، سيبدأ منهج الله مهمته في الحياة. وما دام هناك منهج وتطبيق فردي، تكون المسئولية فردية، ولا يأتي الجمع هنا. فالحق سبحانه وتعالى يقول:ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } [طه: 123] نلاحظ أن أمر الهبوط هنا بالمثنى. ثم يقول تبارك وتعالى " جميعاً ".. جمع.. نقول إنه ما دامت بداية التكليف، فهناك طرفان سيواجه بعضهما البعض: الطرف الأول، هو آدم وزوجه، والطرف الثاني هو إبليس. فهم ثلاثة ولكنهم في معركة الإيمان فريقان فقط، آدم وحواء وذريتهما فريق. والشيطان فريق آخر، فكأن الله تعالى يريد أن يلفتنا إلى أن هذا الهبوط يتعلق بالمنهج وتطبيقه في الأرض. وفي المنهج آدم وحواء حريصان على الطاعة، وإبليس حريص على أن يقودهما إلى المعصية. وفي قوله تعالى: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } [البقرة: 38] نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى بعد أن مر آدم بالتجربة ووقع في المعصية، علمه الله تعالى كلمات التوبة، ونصحه أنه إذا غفل يتوب، والله سبحانه وتعالى سيقبل توبته. إذن: فالحق سبحانه وتعالى يريد من آدم وحواء أن يسكنا الأرض، ويبدآ مهمتهما في الحياة. والله يدلهما على الخير مصداقاً لقوله تعالى: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } [البقرة: 38].. وهدى لها معنيان: هي بمعنى الدلالة على الخير، أو الدلالة على الطريق الموصلة للخير. وهناك هدى وهو الإعانة على الإيمان والزيادة فيه. واقرأ قوله تعالى:وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [محمد: 17]. الهدى هنا في الآية الكريمة بمعنى الدلالة على طريق الخير، ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 38].

السابقالتالي
2