الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

نزل آدم وحواء إلى الأرض ليمارسا مهمتهما في الكون، وقبل أن يبدآ هذه المهمة. جعلهما الله سبحانه وتعالى يمران بتجربة عملية بالنسبة لتطبيق المنهج وبالنسبة لإغواء الشيطان، وحذرهما بأن الشيطان عدو لهما.. كان لا بد بعد أن وقعت المعصية أن يشرع الله تعالى التوبة رحمة بعباده. ذلك أن تشريع التوبة ليس رحمة بالعاصي وحده، ولكنه رحمة بالمجتمع كله. فالإنسان إذا عصى وعرف أنه لا توبة له وأنه محكوم عليه بالخلود في النار، يتمادى في إجرامه، لأنه ما دام لا أمل له في النجاة من عذاب الآخرة، فإنه يتمادى في المعصية، لأنه لا أمل في الغفران أو التوبة. مَنْ الذي سيعاني في هذه الحالة؟ إنه المجتمع الذي يعيش فيه ذلك العاصي. وسيكون المؤمنون أكثر الناس معاناة لأنهم أهل خير وتسامح ولأن الله سبحانه وتعالى أمرهم بالعفو، والصفح. واقرأ قوله تبارك وتعالى:وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النور: 22]. وقوله تعالى:وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ.. } [البقرة: 237]. وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تحث المؤمنين على العفو، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أوصاني ربي بتسع أوصيكم بها: " أوصاني بالإخلاص في السر وفي العلانية، والقصد في الغنى والفقر وأن أعفو عمن ظلمني، وأعطي مَنْ حرمني، وأصل مَنْ قطعني، وأن يكون صمتي فكراً ونطقي ذكراً، ونظري عبراً ". فالتوبة لو لم تشرع لعانى المجتمع كله، وخاصة المؤمنين الذين أمروا أن يقابلوا العدوان بالصفح والظلم بالعفو. ولذلك كان تشريع التوبة من الله سبحانه وتعالى، رحمة بالناس كلهم. والله جل جلاله شرع التوبة أولاً، ثم بعد أن شرعها تاب العاصي، ثم بعد ذلك يقبل الله التوبة أو لا يقبلها تبعاً لمشيئته. واقرأ قوله تعالى:ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [التوبة: 118]. آدم تلقى من ربه كلمات فتاب عليه، أتوجد خطيئة بعد توبة آدم وقبول الله سبحانه وتعالى هذه التوبة؟ إن بعض الناس يقول إن آدم قد عصى وتاب الله عليه. وإبليس قد عصى فجعله الله خالداً في النار. نقول: إنكم لم تفهموا ماذا فعل آدم؟ أكل من الشجرة المحرمة. وعندما علم أنه أخطأ وعصى، لم يصر على المعصية، ولم يرد الأمر على الآمر، ولكنه قال يا رب أمرك ومنهجك حق، ولكنني لم أقدر على نفسي فسامحني. اعترف آدم بذنبه، واعترف بضعفه، واعترف بأن المنهج حق، وطلب التوبة من الله سبحانه وتعالى، ولكن إبليس رد الأمر على الآمر. قال:خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }

السابقالتالي
2 3 4