الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }

أصدر الله تعالى أمره للملائكة ليسجدوا لآدم. وهذه القضية أخذت جدلاً طويلاً. قال بعض الناس: كيف يسجد الملائكة لغير الله؟ والسجود لا يكون إلاَّ لله وحده. وقال آخرون: هل معنى سجود الملائكة لآدم أنهم عبدوه؟ وقالت فئة أخرى: السجود لغير الله لا يجوز تحت أي ظرف من الظروف. نقول لهؤلاء: إنكم لم تدركوا المعنى، فالله سبحانه وتعالى بعد أن مَيَّزَ آدم على الملائكة بعلم الأسماء، طلب منهم أن يسجدوا لآدم، وهنا لابد أن نعرف أن السجود لآدم هو إطاعة لأمر الله، وليست عبادة لآدم. فالله سبحانه وتعالى هو الذي أمر الملائكة بالسجود. ولم يأمرهم بذلك آدم. ولا يحق له أن يأمرهم، فالأمر بالسجود هنا من الله سبحانه وتعالى، مَنْ أطاعه كان عابداً. ومَنْ لم يطعه كان عاصياً. ومَنْ رَدَّ الأمر على الآمر كان كافراً. ولكي نفهم معنى العبادة نقول: إن العبادة هي طاعة أوامر الله، واجتناب نواهيه. فما قال لي الله: افعل. فإني أفعل. وما قال: لا تفعل. فإنني لا أفعل.. لأن العبادة هي طاعة مخلوق لخالقه في أوامره ونواهيه ولذلك عندما نذهب إلى الحج فإننا نُقبِّل الحجر الأسود في الكعبة، ونرجم الحجر الذي يمثل إبليس في مِنَى. نقبل حجراً ونرجم حجراً. هذا هو معنى عبادة الله واتباع منهجه. كما أمرنا نفعل. لا شيء مقدس عندنا إلا أمر الله ومنهجه. الملائكة هنا لم يسجدوا لآدم، ولكنهم سجدوا لأوامر الله بالسجود لآدم. وفرق كبير بين السجود لشيء، وبين السجود لأمر الله. السجود لأمر الله سبحانه وتعالى لا يعتبر خروجاً على المنهج، لأن الأساس هو طاعة الله. وهل سجد كل الملائكة لآدم؟ لا. وإنما سجد لآدم الملائكة الذين لهم مهمة معه، وتلك المهمة قد بَيَّنَها الله سبحانه وتعالى في قوله:وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [الانفطار: 10-12]. وقوله سبحانه:مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 18]. وقوله سبحانه:فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً } [النازعات: 5]. إذن: هناك مِن الملائكة مَنْ سيسجل على الإنسان أعماله، وكل قول يقوله وكل فعل يفعله. بل ويكتبون هذه الأفعال. ومنهم مَنْ يحفظه من الشياطين، ومنهم مَنْ ينفذ أقدار الله في الأرض. هؤلاء جميعاً لهم مهمة مع الإنسان، ولكن الأمر بالسجود لم يشمل أولئك الملائكة العالين من حملة العرش وحراس السماء وغيرهم ممن ليست لهم مهمة مع الإنسان. ولذلك عندما رفض إبليس السجود، قال له الله تعالى:قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ } [ص: 75]. قوله تعالى: " كنت من العالين " أي: أنك كنت من الملائكة العالين.. الذين لم يشملهم أمر السجود. إذن: فأمر السجود لآدم.

السابقالتالي
2 3