الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة: 286] إنّه سبحانه لم يكلفكم إلا ما هو في الوسع. لماذا؟ لأن الأحداث بالنسبة لعزم النفس البشرية ثلاثة أقسام: القسم الأول: هو ما لا قدرة لنا عليه، وهذا بعيد عن التكليف. القسم الثاني: لنا قدرة عليه لكن بمشقة أي يجهد طاقتنا قليلا. القسم الثالث: التكليف بالوسع. إذن { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة: 286] أي أن الحق لا يكلف النفس إلا بتكليف تكون فيه طاقتها أوسع من التكليف، كلف الحق كل مسلم بالصلاة خمسة فروض كل يوم، وتملأ أوقاتها بالصلاة وكان من الممكن أن تكون عشرة، بدليل أن هناك أناساً يتطوعون وهو سبحانه كلف كل مسلم بالصوم شهراً، ألا يوجد من يصوم ثلاثة أشهر؟ ومثل هذا في الزكاة فهناك من كان يخرج عن ماله كله لله، ولا يقتصر على ما يجب عليه من زكاة. إذن فهذا في الوسع، ومن الممكن أن تزيد، إذن فالأشياء ثلاثة: شيء لا يدخل في القدرة فلا تكليف به، شيء يدخل في القدرة بشيء من التعب، وشيء في الوسع، والحق حين كلف، كلف ما في الوسع. وما دام كلف ما في الوسع فإن تطوعت أنت بأمر زائد فهذا موضوع آخرفَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } [البقرة: 184] ما دمت تتطوع من جنس ما فرض. إذن فالتكليف في الوسع وإلا لو لم يكن في الوسع لما تطوعت بالزيادة. فسبحانه يقول: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة: 286] ويأتي بعد ذلك ليعلمنا فيقول: { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } [البقرة: 286]، وهو القائل: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة: 286] إذن - سبحانه - يكلفنا بما نقدر عليه ونطيقه. فقد روي أن الله حينما سمع رسوله وسمع المؤمنين يقولون: { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } [البقرة: 286] قال سبحانه: قد فعلت. وعندما قالوا: { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } [البقرة: 286] قال سبحانه: قد فعلت. ولم يكلفنا سبحانه إلا بما في الوسع، وهو القدر المشترك عند كل المؤمنين. وهناك أناس تكون همتهم أوسع من همة غيرهم، ومن تتسع همته فإنه يدخل بالعبادات التي يزيد منها في باب التطوع، ومن لا تتسع همته فهو يؤدي الفروض المطلوبة منه فقط وعندما يطرأ على الإنسان ما يجعل الحكم في غير الوسع فإن الله يخفف التكليف فالمسافر تقول له الشريعة: أنت تخرج عن حياتك الرتيبة، وتذهب إلى أماكن ليس لك بها مستقر، لذلك يخفف الحق عليك التكليف فلك أن تفطر في نهار رمضان، ولك أن تُقصر الصلاة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8