الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

إنها أطول آية في آيات القرآن ويستهلها الله بقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } [البقرة: 282] وهذا الاستهلال كما نعرف يوحي بأن ما يأتي بعد هذا الاستهلال من حكم، يكون الإيمان هو حيثية ذلك الحكم، فما دمت قد آمنت بالله فأنت تطبق ما كلفك به لأن الله لم يكلف كافراً، فالإنسان - كما قلنا سابقاً - حر في أن يُقبل على الإيمان بالله أو لا يُقبل. فإن أقبل الإنسان بالإيمان فليستقبل كل حكم من الله بالتزام. ونضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - إن الإنسان حين يكون مريضاً، هو حر في أن يذهب إلى الطبيب أو لا يذهب، ولكن حين يذهب الإنسان إلى الطبيب ويكتب له الدواء فالإنسان لا يسأل الطبيب وهو مخلوق مثله: لماذا كتبت هذه العقاقير؟. إن الطبيب يمكن أن يرد: إنك كنت حراً في أن تأتي إليّ أو لا تأتي، لكن ما دمت قد جئت إلى فاسمع الكلام ونفذه. والطبيب لا يشرح التفاعلات والمعادلات، لا، إن الطبيب يشخص المرض، ويكتب الدواء. فما بالنا إذا أقبلنا على الخالق الأعلى بالإيمان؟ إننا ننفذ أوامره سبحانه، والله لا يأمر المؤمن إلا عن حكمة، وقد تتجلى للمؤمن بعد ذلك آثار الحكمة ويزداد المؤمن ثقة في إيمانه بالله. يقول الحق: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ } [البقرة: 282] وعندما نتأمل قول الحق: " تداينتم " نجد فيها " دَيْن " ، وهناك " دِين " ، ومن معنى الدِّين الجزاء، ومن معنى الدِّين منهج السماء، وأما الدَّيْن فهو الاقتراض إلى موعد يسدد فيه. هكذا نجد ثلاثة معان واضحة: الدِّين: وهو يوم الجزاء، والدين وهو المنهج السماوي، والدَّيْن: هو المال المقترض. والله يريد من قوله: { تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ } [البقرة: 282] أن يزيل اللبس في معنيين، ويبقى معنى واحداً وهو الاقتراض فقال: " بِدَيْنٍ " فالتفاعل هنا في مسألة الدَّيْن لا في الجزاء ولا في المنهج، والحق يحدد الدَّيْن بأجل مُسمّى. وقد أراد الله بكلمة " مُسمّى " مزيداً من التحديد، فهناك فرق بين أجل لزمن، وبين أجل لحدث يحدث، فإذا قلت: الأجل عندي مقدم الحجيج. فهذا حدث في زمن، ومقدم الحجيج لا يضمنه أحد، فقد تتأخر الطائرة، أو يصاب بعض من الحجيج بمرض فيتم حجز الباقين في الحجر الصحي. أما إذا قلت: الأجل عندي شهران أو ثلاثة أشهر فهذا يعني أن الأجل هو الزمن نفسه، لذلك لا يصح أن يؤجل أحد دينه إلى شيء يحدث في الزمن لأنه من الجائز ألا يحدث ذلك الشيء في هذا الزمن. إن التداين بديْن إلى أجل مُسمى يقتضي تحديد الزمن، والحق يوضح لنا: { إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ } [البقرة: 282] وكلمة " فاكتبوه " هي رفع لحرج الأحباء من الأحباء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9