الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

و { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } [البقرة: 280] حكم بأن للدائن رأس المال، ولكن هب أنّ المدين ذو عسرة، هنا قضية يثيرها بعض المستشرقين الذين يدعون أنهم درسوا العربية، لقد درسوها صناعة، ولكنها عزت عليهم ملكة لأن اللغة ليست صناعة فقط، اللغة طبع، واللغة ملكة، اللغة وجدان، يقولون: إن القرآن يفوته بعض التقعيدات التي تقعدها لغته. فمثلاً جاءوا بهذه الآية: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 280]. قال بعض المستشرقين: نريد أن نبحث مع علماء القرآن عن خبر " كان " في قوله: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } [البقرة: 280]، صحيح لا نجد خبر " كان " ، ولكن الملكة العربية ليست عنده لأنه إذا كان قد درس العربية كان يجب أن يعرف أن " كان " تحتاج إلى اسم وإلى خبر، اسم مرفوع وخبر منصوب وهذه هي التي يقال عنها كان الناقصة، كان يجب أن يفهم أيضاً معها أنها قد تأتي تامة أي ليس لها خبر، وتكتفي بالمرفوع، وهذه تحتاج إلى شرح بسيط. إن كل فعل من الأفعال يدل على حدث وزمن، وكلمة " كان " إن سمعتها دلت على وجود وحدث مطلق لم تبين فيه الحالة التي عليها اسمها، كان مجتهداً؟ كان كسولاً؟ مثلاً فهي تدل على وجود شيء مطلق أي ليس له حالة، ومعنى ذلك أن " كان " دلت على الزمن الوجودي المطلق أي على المعنى المجرد الناقص، والشيء المطلق لا يظهر المراد منه إلا إذا قيد، فإن أردت أن تدل على وجود مقيد ليتضح المعنى، ويظهر، فلا بد أن تأتيها بخبر، كأن تقول: كان زيد مجتهداً، هنا وجد شيء خاص وهو اجتهاد زيد. إذن فـ كان هنا ناقصة تريد الخبر يكملها وليعطيها الوجود الخاص، فإذا لم يكن الأمر كذلك وأردنا الوجود فقط تكون كان تامة أي تكتفي بمرفوعها فقط مثل أن تقول: عاد الغائب فكان الفرح أي وجد، أو أشرقت الشمس فكان النور، والشاعر يقول:
وكـانت وليـس الصـبح فيـها بأبيـض   وأضـحت وليـس اللـيـل فيـها بأسـود
فقوله { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } [البقرة: 280] أي فإن وَجد ذو عسرة.. أي إن وُجِدَ إنسان ليس عنده قدرة على السداد، " فنظرة " من الدائن " إلى ميسرة " أي: إلى أن يتيسر، ويكون رأس المال في هذه الحالة " قرضاً حسناً " ، وكلما صبر عليه لحظة أعطاه الله عليها ثواباً. ولنا أن نعرف أن ثواب القرض الحسن أكثر من ثواب الصدقة لأن الصدقة حين تعطيها فقد قطعت أمل نفسك منها، ولا تشغل بها، وتأخذ ثواباً على ذلك دفعة واحدة، لكن القرض حين تعطيه فقلبك يكون متعلقاً به، فكلما يكون التعلق به شديداً، ويهب عليك حب المال وتصبر فأنت تأخذ ثواباً.

السابقالتالي
2 3 4