الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

كلمة " كيف " في اللغة للسؤال عن الحال، والحق سبحانه وتعالى أوردها في هذه الآية الكريمة ليس بغرض الاستفهام، ولكن لطلب تفسير أمر عجيب ما كان يجب أن يحدث. وبعد كل ما رواه الحق سبحانه وتعالى في آيات سابقة من أدلة دامغة عن خلق السماوات والأرض وخلق الناس.. أدلة لا يستطيع أحد أن ينكرها أو يخطئها.. فكيف بعد هذه الأدلة الواضحة تكفرون بالله؟.. كفركم لا حجة لكم فيه ولا منطق.. والسؤال يكون مرة للتوبيخ.. كأن تقول لرجل: كيف تسبُّ أباك؟ أو للتعجب من شيء قد فعله وما كان يجب أن يفعله، وكلاهما متلاقيان، سواء أكان القصد التوبيخ أو التعجب، فالقصد واحد. فهذا ما كان يجب أن يحدث منك. ثم يأتي الحق سبحانه وتعالى بأدلة أخرى لا يستطيع أحد أن ينكرها أو يكذِّب بها، فيقول جل جلاله: { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ.. } [البقرة: 28]. وهكذا ينتقل الكلام إلى أصل الحياة والموت، فبعد أن بَيَّنَ الحق سبحانه وتعالى ماذا يفعل الكافرون والفاسقون والمنافقون من إفساد في الأرض.. وقَطْع لما أمر الله سبحانه وتعالى به أن يوصل.. صعد الجدل إلى حديث عن الحياة والموت. وقوله تعالى " كنتم أمواتاً فأحياكم " قضية لا تحتمل الجدل.. ربما استطاعوا المجادلة في مسألة عدم اتباع المنهج، أو قطع ما أمر الله به أن يوصل. ولكن قضية الحياة والموت لا يمكن لأحد أن يجادل فيها، فالله سبحانه وتعالى خلقنا من عدم، ولم يدع أحد قط أنه خلق الناس أو خلق نفسه، وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للناس إن الذي خلقكم هو الله.. لم يستطع أحد أن يكذِّبه ولن يستطيع.. ذلك أننا كنا فعلاً غير موجودين في الدنيا، والله سبحانه وتعالى هو الذي أوجدنا وأعطانا الحياة. وقوله تعالى: " ثم يميتكم ".. فإن أحداً لا يشك في أنه سيموت.. الموت مُقَّدر على الناس جميعاً، والخلق من العدم واقع بالدليل، والموت واقع بالحس والمشاهدة. إن قضية الموت هي سبيلنا لمواجهة أي ملحد، فإن قالوا إن العقل كافٍ لإدارة الحياة، وأنه لا يوجد شيء اسمه غيب.. نقول: الذي يتحكم في الخلق إيجاداً، هو الذي يتحكم فيه موتاً.. والحياة الدنيا هي مرحلة بين قوسين: القوس الأول هو أن الله يخلقنا ويوجدنا.. وتمضي رحلة الحياة إلى القوس الثاني.. الذي تخمد فيه بشريتنا وتتوقف حياتنا، وهو الموت. أي: أننا في رحلة الحياة من الله وإليه. إذن: فحركة الحياة الدنيا هي بداية من الله بالخلق، ونهاية بالموت.

السابقالتالي
2 3 4