الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ }

في هذه الآية قضية كونية يتغافل عنها كثير من الناس. لقد جاء نظام ليحمي طائفة من ظلم طائفة، ولم يأت هذا النظام إلا بعد أن وجدت طائفة المرابين الذين ظلموا طائفة الفقراء المستضعفين. وحَسْبُ هؤلاء المستضعفين الذين استغلوا من المرابين أن ينصفهم القرآن وأن يُنهي قضية الربا إنهاءً يعطي الذين رابوا ما سلف لأنهم بنوا حياتهم على ذلك. و " فأذنوا بحرب " كلمة الألف والذال والنون من " الأذن " وكل المادة مشتقة من " الأذن " و " الأُذن " هي الأصل الأول في الإعلام لأن الإنسان ليس مفروضاً أنه قارئ أولاً، إنّه لا يكون قارئاً إلا إذا سمع، إذن فلا يمكن أن ينشأ إعلام إلا بالسماع. والحق سبحانه وتعالى حينما تكلم عن أدوات العلم للإنسان قال:وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [النحل: 78]. ولذلك عندما جاء علم وظائف الأعضاء ليبحث ذلك وجدوها طبق الأصل كما قال الله عنها. فالوليد الصغير حين يولد إن جاء أصبع إنسان عند عينيه فلا يهتز له رمش لأن عينه لم تؤد مهمتها بعد، ولكن إن تصرخ بجانب أذنه فإنه ينفعل. وعرفنا أن أول أداة تؤدي مهمتها بالنسبة للإنسان الوليد هي أذنه، وهي أيضاً الأداة التي تؤدي مهمتها بالنسبة للإنسان مستيقظاً كان أو نائماً. إن العين تغمض في النوم فلا ترى، لكن الأذن مستعدة طوال الوقت لأن تسمع لأنها آلة الاستدعاء. إذن فمادة " الأَذَان " و " الأُذُن " كلها جاءت من مهمة السمع، وقال الله سبحانه وتعالى:وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [الانشقاق: 5]. ما معنى أذنت؟. أنت حين تسمع من مساو لك، فقد تنفذ وقد لا تنفذ، لكن حين تسمعه من إله قادر فلا مناص لك إلا أن تنفذ، فكأن الله يقول: إن الأرض تنشق حين تسمع أمري بالانشقاق. فبمجرد أن تسمع الأرض أمر الحق فإنها تفعل، وحق لها أن تفعل ذلك إنها أذنت لأمر الله، أي خضعت لأن القائل لها هو الله. إذن كل المادة هنا جاءت من " الأذن ". ولذلك فالله يقول لمن لا يفعل ما أمر به الله في الربا { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة: 279]. أما حرب الله فلا نقول فيها إلا قول الله:وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ.. } [المدثر: 31]. ولا يستطيع أحد أن يحتاط لها. وأما حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه هي الأمر الظاهر. كأن الله سبحانه وتعالى يجرد على المرابين تجريدة هائلة من جنوده التي لا يعلمها إلا هو، وحرب رسول الله جنودها هم المؤمنون برسوله، وعليهم أن يكونوا حرباً على كل ظاهرة من ظواهر الفساد في الكون ليطهروا حياتهم من دنس الربا.

السابقالتالي
2