الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

وساعة تسمع { أَلَمْ تَرَ } [البقرة: 258] فأنت تعلم أنها مكونة من همزة هي " أ " وحرف نفي وهو " لم " ، ومنفي هو " تر " والهمزة: تأتي هنا للإنكار، والإنكار نفي بتقريع، ولكنها لم تدخل على فعل مثبت حتى يقال: إنها أنكرت الفعل بعدها، مثلما تقول للولد: أتضرب أباك! هنا الهمزة جاءت لا لتستفهم وإنما أتت تنكر هذه الفعلة، لأن الفعل بعدها مثبت وهو " تضرب " ، وجاءت الهمزة قبله فتسمى " همزة إنكار " للتقريع. إذن فالإنكار: نفي بتقريع إذا دخلت على فعل منفي. وما دام الإنكار نفياً والفعل بعدها منفيٌ فكأنك نفيت النفي، إذن فقد أثبته، كأنه سبحانه عندما يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: { أَلَمْ تَرَ } [البقرة: 258] فالمقصود " أنت رأيت ". ولماذا لم يقل له: أرأيت؟ لقد جاء بها بأسلوب النفي كي تكون أوقع، فقد يكون مجيء الإثبات تلقيناً للمسئول، فعندما يقول لك صديق: أنت لم تسأل عني وأنت تهملني. فأنت قد ترد عليه قائلاً: ألم أساعدك وأنت ضعيف؟ ألم آخذ بيدك وأنت مريض؟ لقد سبق أن قدمت خدماتك لهذا الصديق، ولكنك تريد أن تنكر النفي الذي يقوله هو، وهكذا نعلم أن نفي النفي إثبات، ولذلك فنحن نأخذ من قوله تعالى من هذه العبارة { أَلَمْ تَرَ } [البقرة: 258] على معنى: أنت رأيت، والرؤية تكون بالعين. فهل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو المخاطب الأول بالقرآن الكريم من ربه - هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحادثة أيام إبراهيم؟ طبعاً لا، فكأن { أَلَمْ تَرَ } [البقرة: 258] هنا تأتي بمعنى: ألم تعلم. ولماذا جاء بـ { أَلَمْ تَرَ } [البقرة: 258] هنا؟ لقد جاء بها لنعلم أن الله حين يقول: " ألم تعلم " فكأنك ترى ما يخبرك به، وعليك أن تأخذه على أنه مصدق كأنك رأيته بعينك. فالعين هي حاسة من حواسك، والحاسة قد تخدع، ولكن ربك لا يخدع، إذن فـ { أَلَمْ تَرَ } [البقرة: 258] تعني: " ألم تعلم علم اليقين " ، وكأنك قد رأيت ما يخبرك به الله، ولذلك يقول تعالى للرسول:أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [الفيل: 1]. والرسول ولد عام الفيل، فلم ير هذه الحادثة، وكأن الله يخبره بها ويقول له: ألم تعلم، وكأنه يقول له: اعلم علماً يقيناً كأنك تراه لأن ربك أوثق من عينيك، وعندما يقال: { أَلَمْ تَرَ } [البقرة: 258] فالمراد بها " ألم تر كذا " ، لكن الحق قال: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ } [البقرة: 258] واستعمال حرف " إلى " هنا يشير إلى أمر عجيب قد حدث، ومثال ذلك ما نقوله أحياناً: ألم تر إلى زيد يفعل كذا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7