الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

إن الله وليّ الذين آمنوا ما دامفَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } [البقرة: 256] وكأن الحق يشرح ذلك بهذه الآية، فما دام العبد سيتصل بالعروة الوثقى ويستمسك بها، وهذه ليست لها انفصام فقد صارت ولايته لله، وكلمة " وليّ " إذا سمعتها هي من " وَلِيَ " أي: جاء الشيء بعد الشيء من غير فاصل هذا يليه هذا، وما دام يليه من غير فاصل فهو الأقرب له، وما دام هو الأقرب له إذن فهو أول من يفزع لينقذ، فقد يسير معي إنسان فإذا التوت قدمي أناديه لأنه الأقرب مني، وهو الذي سينجدني. فلا يوجد فاصل، وما دام لا يوجد فاصل فهو أول من تناديه، وأول من يفزع إليك بدون أن تصرخ له لأن من معك لا تقل له: خذ بيدي، إنه من نفسه يأخذ بيدك بلا شعور، إذن فكلمة { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 257] إذا نظرت إليها وجدتها تنسجم أيضا مع " سميع وعليم " ، فلا يريدك أن تناديه لأن هناك من تصرخ عليه لينجدك، وهو لن تصرخ عليه لأنه سميع وعليم، { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 257]. وكلمة " وليّ " أيضاً منها مولى ومنها وال، { وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 257] أي هو الذي يتولى شئونهم وأمورهم، كما تقول: الوالي الذي تولَّى أمر الرعيّة، وكلمة " مَوْلَى " مرة تُطلق على السيد، ومرة تُطلق على خادمه، ولذلك يقول الشاعر:
مولاك يا مولاي طالب حاجة   
أي عبدك يا سيدي طالب حاجة، فهي تستعمل في معان مترابطة لأننا قلنا: " وَلِيّ " تعني القريب، فإذا كان العبد في حاجة إلى شيء فَمَن أول من ينصره؟ سيده، وإذا نادى السيد، فمن أول مجيب له؟ إنه خادمه، إذن فيُطلق على السيد ويُطلق على العبد، ويُطلق على الوالي، { اللهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 257]. وقوله الحق: " الذين آمنوا " يعني جماعة فيها أفراد كثيرة، كأنه يريد من الذين آمنوا أن يجعلوا إيمانهم شيئاً واحداً، وليسوا متعددين، أو أن ولاية الله لكل فرد على حدة تكون ولاية لجميع المؤمنين، وما داموا مؤمنين فلا تضارب في الولايات لأنهم كلهم صادرون وفاعلون عن إيمان واحد، ومنهج واحد، وعن قول واحد، وعن فعل واحد، وعن حركة واحدة. وكيف يكون { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 257]؟ إنه وليهم أي ناصرهم. ومحبهم ومجيبهم ومعينهم، هو وليهم بما أوضح لهم من الأدلة على الإيمان، هل هناك حُب أكثر من هذا؟ هل تركنا لنبحث عن الأدلة أو أنه لفتنا إلى الأدلة؟ وتلك هي ولاية من ولايات الله. فقبل أن نؤمن أوجد لنا الأدلة، وعندما آمنا وَالانَا بالمعونة، وإن حاربنا خصومنا يكن معنا، وبعد ذلك تستمر الولاية إلى أن يعطينا الجزاء الأوفى في الآخرة، إذن فهو وليّ في كل المراحل، بالأدلة قبل الإيمان وليّ.

السابقالتالي
2 3