الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }

إن الحق سبحانه وتعالى يشير إلى الرسل بقوله: { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } [البقرة: 253] و " الرسل " هي جمع لمفرد هو " رسول ". والرسول هو المكلف بالرسالة. والرسالة هي الجملة من الكلام التي تحمل معنى إلى هدف. وما دام الرسل جماعة فلماذا لم يقل الحق " هؤلاء الرسل " وقال " تلك الرسل "؟ ذلك ليدلك القرآن الكريم على أن الرسل مهما اختلفوا فهم مرسلون من قبل إله واحد وبمنهج واحد. وكما عرفنا من قبل أن الإشارة بـ " تلك " هي إشارة لأمر بعيد. فعندما نشير إلى شيء قريب فإننا نقول: " ذَا " ، وعندما نستخدم صيغة الإشارة مع الخطاب نقول: " ذاك ". وعندما نشير إلى مؤنث فنقول: " تِ " وعندما نشير إلى خطاب مؤنث: " تيك ". و " اللام " كما عرفنا هنا للبعد أو للمنزلة العالية. إذن فقوله الحق: { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } [البقرة: 253] هو إشارة إلى الرسل الذين يَعْلَمُهُم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، أو الرسل الذين تقدموا في السياق القرآني. والسياق القرآني الذي تقدم تحدث عن موسى عليه السلام، وعن عيسى عليه السلام، وتكلم السياق عن أولي العزم من الرسل. إن أردت الترتيب القرآني هنا، فهو يشير إلى الذي تقدم في هذه السورة، وإن أردت ترتيب النزول تكون الإشارة إلى من عَلِمَهُ الرسول من الرسل السابقين، والمناسبة هنا أن الحق قد ختم الآية السابقة بقوله هناك: " وإنك لمن المرسلين " ، ولما كانت " وإنك لمن المرسلين " تفيد بعضيته صلى الله عليه وسلم لكلية عامة، كأنه يقول: إياكم أن تظنوا أنهم ما داموا قد اتفقوا في أنهم مرسلون أو أنهم رسل الله، أنهم أيضاً متساوون في المنزلة، لا، بل كل واحد منهم له منزلته العامة في الفضلية والخاصة في التفضيل. إنهم جميعاً رسل من عند الله، ولكن الحق يعطي كل واحد منهم منزلة خاصة في التفضيل. فلماذا كان قول الله:وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [البقرة: 252] يؤكد لنا أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين الرسل فلا تأخذ هذا الأمر على أساس أن كل الرسل متساوون في المكانة، وتقول إنهم متماثلون في الفضل. لا. إن الله قد فضل بعضهم على بعض. وما هو التفضيل؟ إن التفضيل هو أن تأتي للغير وتعطيه ميزة، وعندما تعطي له مزية عمن سواه قد يقول لك إنسان ما " هذه محاباة " ، لذلك نقول لمن يقول ذلك: الزم الدقة، ولتعرف أن التفضيل هو إيثار الغير بمزية بدافع الحكمة، أما المحاباة فهي إيثار الغير بمزية بدافع الهوى والشهوة، فمثلاً إذا أردنا أن نختار أحداً من الناس لمنصب كبير، فنحن نختار عدداً من الشخصيات التي يمكن أن تنطبق عليهم المواصفات ونقول: " هذا يصلح، وهذا يصلح، وهذا يصلح " و " هذا فيه ميزات عن ذاك " وهكذا، فإن نظرنا إليهم وقيمناهم بدافع الحكمة والكفاءة فهذا هو التفضيل، ولكن إن اخترنا واحداً لأنه قريب أو صهر أو غير ذلك فهذا هو الهوى والمحاباة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9