الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }

لقد أرسل الحق مع الملك طالوت آية تبرهن على أنه ملك من اختيار الله فقال لهم نبيهم: { إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ } [البقرة: 248] أي إن العلامة الدالة على ملكه هي { أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ } [البقرة: 248] وهذا القول نستدل منه على أن التابوت كان غائباً ومفقوداً، وأنه أمر معروف لديهم وهناك تلهف منهم على مجيئه. وما هو التابوت؟ إن التابوت قد ورد في القرآن في موضعين: أحدهما في الآية التي نحن بصددها الآن، والموضوع الآخر في قوله تعالى:إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ * أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } [طه: 38-39]. إذن فالتابوت نعرفه من أيام قصة موسى وهو رضيع، عندما خافت عليه أمه فأوحى لها الله:أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ } [طه: 39] فهل هو التابوت نفسه الذي تتحدث عنه الآيات التي نحن بصددها؟ غالب الظن أنه هو لأنه ما دام جاء به على إطلاقه فهو التابوت المعروف، وكأن المسألة التي نجا بها موسى لها تاريخ مع موسى وفرعون ومع نبيهم ومع طالوت وهذه عملية نأخذ منها أن الآثار التي ترتبط بالأحداث الجسيمة في تاريخ العقيدة يجب أن نعنى بها، ولا نقول إنها كفريات ووثنيات لأن لها ارتباطاً بأمر عقدي، وبمسائل تاريخية، وارتباطاً بالمقدسات. انظر إلى التابوت الذي فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون وتحمله الملائكة. إن هذا دليل على أنه شيء كبير ومهم. إذن، فالآثار التي لها مساس وارتباط بأحداث العقيدة وأحداث النبوة، هذه الآثار مهمة للإيمان، وكأنّ القرآن يقول: اتركوها كما هي، وخذوا منها عظة وعبرة لأنها تذكركم بأشياء مقدسة. لقد كان التابوت مفقوداً، وذلك دليل على أن عدواً غلب على البلاد التي سكنوها، والعدو عندما يغير على بلاد يحاول أولاً طمس المقدسات التي تربط البلاد بالعقيدة. فإذا كان التابوت مقدساً عندهم بهذا الشكل، كان لابد أن يأخذه الأعداء. هؤلاء الأعداء هم الذين أخرجوهم من ديارهم وهم ألوف حذر الموت. وإذا كانوا قد أخرجوهم من ديارهم فمن باب أولى أنهم أجبروهم على ترك التابوت. والله سبحانه وتعالى يطمئنهم بأن آية الملك لطالوت هي مجيء التابوت الذي تتلهفون عليه، وترتبط به مقدساتكم. { أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [البقرة: 248] فكأن الاستقرار النفسي سيأتيكم مع هذا التابوت لأن الإنسان حين يجد التابوت الذي نجا به نبي، وفي الأشياء التي سنعرفها فيما بعد، إن الإنسان يستروح صلته بالسماء، وهي صلة مادية تجعل النفس تستريح. وعلى سبيل المثال تأمل مشاعرك عندما يقال لك: " هذا هو المصحف الذي كان يقرأ فيه سيدنا عثمان ".

السابقالتالي
2 3