الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }

بعد أن تكلم الحق سبحانه وتعالى على ما يتعلق بالأسرة المسلمة في حالة علاج الفراق في الزواج إما بالطلاق وإما بالوفاة، أراد الحق سبحانه وتعالى للأمة الإسلامية أن تعرف أن أحداً لن يفر من قدر الله إلا إلى قدر الله، فالأمة الإسلامية هي الأمة التي أمنها على حمل رسالة ومنهج السماء إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة، فلم يعد محمد صلى الله عليه وسلم يأتى ولا نبي يُبعث. ولابد لمثل هذه الأمة أن تُربى تربية تناسب مهمتها التي حملها الله إياها. ولابد أن يضع الحق سبحانه وتعالى بين يدي هذه الأمة كل ما لاقته وصادفته مواكب الرسل في الأمم السابقة ليأخذوا العبرة من المواقف ويتمثلوا المنهج لا من نظريات تُتلى ولكن من واقع قد دُرس ووقع في المجتمع. أراد الحق سبحانه وتعالى أن يلفتنا إلى أساس المسألة وهو أنه سبحانه واهب الحياة ولا أحد غيره، وواهب الحياة هو الذي يأخذها. ولم يضع لهبة الحياة سبباً عند الناس. وإنما هو سبحانه الذي يحيى ويميت. وفي الحياة والموت استبقاء للنوع الإنساني، ولكن استبقاء حياة الأفراد إنما ينشأ بالقوت الذي ينشأ من التمول. ويعالج الحق هذه المسألة بواقع سبق أن عاشه موسى عليه السلام مع قومه وهم بنو إسرائيل، ونعرف أن قصة موسى مع قومه قد أخذت أوسع قصص القرآن لأنها الأمة التي أتعبت الرسل، وأتعبت الأنبياء، وكان لابد أن يعرض الحق هذا الأمر برمته على أمة محمد صلى الله عليه وسلم من واقع ما حدث، فقال سبحانه: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } [البقرة: 243]. ونعرف من هذا القول أن علة الخروج إنما كانت مخافة أن يموتوا. أما عن سبب هذا الموت فلم تتعرض له الآيات، وإن تعرض المفسرون له وقالوا كلاماً طويلاً، فمنهم من قال: إنهم خرجوا هرباً من وباء يحل بالبلد خشية أن يموتوا، وبعضهم قال: إنهم خرجوا فِراراً من عدو قد سُلط عليهم ليستأصلهم، المهم أنهم أرادوا أن يفروا خوفاً من الموت. إذن فالقرآن يعالج تلك المسألة من الزاوية التي تهم، ولكن ما هو السبب ولماذا الخروج؟ فذلك أمر لا يهم لأن القرآن لا يعطي تاريخاً، فلم يقل متى كانت الوقائع ولا زمنها، ولا على يد من كان هذا، ولا يحدد أشخاص القضية، كل ذلك لا يهتم به القرآن. والذين يتعبون أنفسهم في البحث عن تفاصيل تلك الأمور في القصص القرآني إنما يحاولون أن يربطوا الأشياء بزمن مخصوص، ومكان مخصوص، وأشخاص مخصوصة. ونقول لهم: إن القرآن لو أراد ذلك لفعل، ولو كان ذلك له أصل في العبرة والعظة لبيّنه الحق لنا، وأنتم تريدون إضعاف مدلول القصة بتلك التفاصيل لأن مدلول القصة إن تحدد زمنها، فربما قيل: إن الزمان الذي حدثت فيه كان يحتمل أن تحدث تلك المسألة والزمن الآن لم يعد يحتملها، وربما قيل: إن هذا المكان الذي وقعت فيه يحتمل حدوثها، إنما الأمكنة الأخرى لا تحتمل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6