الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ }

بعد أن تحدث الله سبحانه وتعالى عن الأدلة التي يستند إليها المشككون في القرآن الكريم، وهي أدلة لا تستند إلى عقل ولا إلى منطق تحداهم بأن يأتوا بسورة مثل القرآن، وأن يستعينوا بمَنْ يريدون من دون الله، لأن القرآن كلام الله، والله سبحانه هو القائل. وبما أنهم يحاولون التشكيك في أن القرآن كلام الله، وأنه مُنَزَّلٌ من عند الله، فليستعينوا بمَنْ يريدون ليأتوا بآية من مثله، لأن التحدي هنا لا يمكن أن يتم إلا إذا استعانوا بجميع القوى ما عدا الله سبحانه وتعالى. ثم يأتي الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك بالنتيجة قبل أن يتم التحدي. لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أنهم لن يفعلوا ولن يستطيعوا. إن قوله سبحانه: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ.. } [البقرة: 24] معناه: أنه حكم عليهم بالفشل وقت نزول القرآن وبعد نزول القرآن إلى يوم القيامة لأن الله لا يخفى عن علمه شيء، فهو بكل شيء عليم. وكلمة " لم تفعلوا " عندما تأتي قد تثير الشك. فنحن نعرف أن مجيء " إن " الشرطية يثير الشك.. لأن الأمر لكي يتحقق يتعلق بشرط. وأنت إن قلت: إن ذاكرت تنجح، ففي المسألة شك.. أما إذا قلت كقول الحقإِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [النصر: 1] فمعنى ذلك أن نصر الله آت لا محالة. و " إن " حرف و " إذا " ظرف، وكل حدث يحتاج إلى مكان وزمن. فإذا جئت بأداة الشرط فمعنى ذلك أنك تقربها من عنصر تكوين الفعل والحدث. فإذا أردت أن تعبر عن شيء سيتحقق تقول إذا، وإذا أردت أن تشكك فيه تقول " إن " والله سبحانه وتعالى قال " فإن لم تفعلوا " ولأن الفعل ممكن الحدث أراد أن يُرَجِّح الجانب المانع فقال: " ولن تفعلوا " هذا أمر اختياري. فإذا تكلمت عن أمر اختياري ثم حكمت أنه لن يحدث، فكأن قدرتك هي التي منعته من الفعل، فلا يقال إنك قهرته على ألا يفعل. لا، بل علمت أنه لن يفعل. فاستعداداته لا يمكن أن تمكنه من الفعل. وهذه أمور ضمن اخبارات القرآن الكريم في القضايا الغيبية التي أخبر عنها، فعندما يقول الله سبحانه وتعالىوَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ.. } [النمل: 14] معناها: أنهم مصدقون، ولكن ألسنتهم لا تعترف بذلك. وقوله تعالى { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ.. } [البقرة: 24] معناها: أن الشك مفتعل في نفوسهم هم لا يريدون أن يؤمنوا ولذلك يأتون بسبب مفتعل لعدم الإيمان. لقد استقر فكرهم على أنهم لا يؤمنون، وما دام هذا هو ما قررتموه. فإنكم ستظلون تبحثون عن أسباب ملفقة لعدم الإيمان.

السابقالتالي
2