الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

و { عَرَّضْتُمْ } [البقرة: 235] مأخوذة من التعريض. والتعريض: هو أن تدل على شيء لا بما يؤديه نصاً، ولكن تعرض به تلميحاً. إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يجعل للعواطف تنفيساً من هذه الناحية، والتنفيس ليس مجرد تعبير عن العاطفة، ولكن رعاية للمصلحة، فمن الجائز أنه لو حرّم التعريض لكان في ذلك ضياع فرصة الزواج للمرأة، أو قد يفوت - هذا المنع - الفرصة على من يطلبها من الرجال لذلك يضع الحق القواعد التي تفرض على الرجل والمرأة معاً أدب الاحتياط، وكأنه يقول لنا: أنا أمنعكم أن تخطبوا في العدة أو تقولوا كلاماً صريحاً وواضحاً فيها، لكن لا مانع من التلميح من بعيد. مثلاً يثني الرجل على المرأة ويعدد محاسنها بكلام لا يعد خروجاً على آداب الإسلام مثل هذا الكلام هو تلميح وتعريض، وفائدته أنه يعبر عما في نفس قائله تجاه المطلقة فتعرف رأيه فيها، ولو لم يقل ذلك فربما سبقه أحد إليها وقطع عليه السبيل لإنفاذ ما في نفسه، ومنعه من أن يتقدم لخطبتها بعد انتهاء العدة، وقد يدفعه ذلك لأن يفكر تفكيراً آخر: للتعبير بأسلوب وشكل خاطئ. إذن فالتعريض له فائدة في أنه يُعرف المطلقة رأي فلان فيها حتى إن جاءها غيره لا توافق عليه مباشرة. وهكذا نرى قبساً من رحمة الله سبحانه وتعالى بنا، بأن جعل العدة كمنطقة حرام تحمي المرأة، وجعل التعريض فرصة للتعبير عن العاطفة التي تؤسس مصلحة من بعد ذلك. إن الحق يقول: { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ } [البقرة: 235] والخطبة مأخوذة من مادة " الخاء " و " الطاء " و " الباء " وتدل على أمور تشترك في عدة معالم: منها خُطبة بضم الخاء، ومنها خَطْب وهو الأمر العظيم، ومنها المعنى الذي نحن بصدده وهو الخِطبة بكسر الخاء. وكل هذه المعالم تدل على أن هناك الأمر العظيم الذي يُعالج، فالخطب أمر عظيم يهز الكيان، وكذلك الخُطبة لا يلقيها الخطيب إلا في أمر ذي بال، فيعظ المجتمع بأمر ضروري. والخِطبة كذلك أمر عظيم لأنه أمر فاصل بين حياتين: حياة الانطلاق، وحياة التقيد بأسرة وبنظام. وكلها معان مشتركة في أمر ذي بال، وأمر خطير. وهو سبحانه وتعالى يقول: { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } [البقرة: 235] أي لا جناح عليكم أن وضعتم في أنفسكم أمراً يخفى على المرأة، وللمسلم أن يكنن ويخفي في نفسه ما يشاء، ولكن ما الذي يُدري ويعلم المطلقة أنها في بالك يا من أسررت أمرها في نفسك؟ إنك لابد أن تلمح وأن تعرض بأسلوب يليق باحترام المرأة.

السابقالتالي
2 3