الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ }

بعد أن بَيَّن الحق سبحانه وتعالى لنا أن هؤلاء الذين يتخذون من دون الله أنداداً لا يعتمدون على منطق ولا عقل. ولكنهم يعتمدون على شهوات دنيوية عاجلة. أراد أن يأتي بالتحدي بالنسبة للقرآن الكريم - المعجزة الخالدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى يثبت لهم أن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد جعل خلق الكون إعجازاً محساً.. فإن القرآن منهج معجز إعجازاً قيماً.. قال الله جل جلاله: { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ.. } [البقرة: 23] الخطاب هنا لكل كافر ومنافق وغير مؤمن، لأن الذين آمنوا بالله ورسوله ليس في قلوبهم ريب، بل هم يؤمنون بأن القرآن مُوحَى به من الله، مُبَلَّغ إلى محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي المنزل من السماء. والريب: هو الشك. وقوله تعالى: { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } [البقرة: 23] أي: إن كنتم في شك. من أين يأتي هذا الشك والمعجزة تحيط بالقرآن وبرسوله صلى الله عليه وسلم؟ ما هي مبررات الشك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب ولم يُعْرفْ بالبلاغة والشعر بين قومه حتى يستطيع أن يأتي من عنده بهذا الكلام المعجز الذي لم يستطع فطاحل شعراء العرب الذين تمرسوا في البلاغة واللغة أن يأتوا بآية من مثله. هذه واحدة. والثانية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكذب أبداً ولم يُعرف عنه كذب قبل تكليفه بالرسالة بل كانوا يلقبونه صلى الله عليه وسلم بالصادق الأمين. والذين كانوا يلقبون رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين اتهموه بأن هذا القرآن ليس من عند الله.. أيصدق رسول الله عليه الصلاة والسلام مع الناس.. ويكذب على الله؟!.. هذا مستحيل. الكلام الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القرآن لم يكن أحد ليستطيع أن يأتي به من فطاحل علماء البلاغة العرب. والعلم الذي نزل في القرآن الكريم لم يكن يعرفه بشر في ذلك الوقت. فكيف جاء النبي الأمي بهذا الكلام المعجزة، وبهذا العلم الذي لا يعلمه البشر؟! لو جلس إلى معلم أو قرأ كتب الحضارات القديمة لقالوا ربما استنبط منها، ولكنه لم يفعل ذلك. فمن أين دخل الريب إلى قلوبهم؟ لا شك أنه دخل من باب الباطل.. والباطل لا حجة له. وبلا شك لقد فضحوا أنفسهم بأنهم لا يرتابون في القرآن، ولكنهم كانوا يريدونه أن ينزل على سيد من سادة قريش. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31]. وهؤلاء المرتابون لم يجدوا حجة يواجهون بها القرآن، فقالوا: ساحر، وهل للمسحور إرادة مع الساحر؟ إذا كان ساحراً فلماذا لم يسحركم أنتم؟ وقالوا: مجنون.

السابقالتالي
2 3 4 5