الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

وفي الآية ثلاثة أشياء: أولاً: أن تبروا، أي أن تفعلوا البر. والبر قد يكرهه الإنسان لأنه شاق على النفس. ثانياً: أن تتقوا، أي أن تتجنبوا المعاصي، والتقوى تكون أيضاً شاقة في بعض الأحيان. ثالثاً: أن تصلحوا بين الناس، أي أن تصلحوا ذات البيْن، وقد يكون في الإصلاح بين الناس مئونة وذلك بعد أن تمتنعوا أن تجعلوا الله عرضة للقسم. وحين يقول الحق: { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ } [البقرة: 224] فالعرضة هي الحجاب، وهي ما يعترض بين شيئين، " وعرضة " هي - أيضاً - الأمر الصالح لكل شيء، فيقال: " فلان عرضة لكل المهمات ". أي صالح. والعرضة - كما عرفنا - هي ما اعترض بين شيئين، كأن يضع الإنسان يده على عينيه فلا يرى الضوء، هنا تكون اليد " عُرْضة " بين عيني الإنسان والشمس. إن الإنسان يحجب بذلك عن نفسه الضوء. كأن الحق يقول: " أنا لا أريد أن تجعلوا اليمين عرضة بين الإنسان وفعل الخير والبر والتقوى ". فعندما يطلب منك واحد أن تبر من أساء إليك فقد تقول: " أنا أقسمت ألا أبر هذا الإنسان " إنك بذلك جعلت اليمين بالله مانعاً بينك وبين البر. ويريد الحق بذلك القول أن ينبهنا إلى أن القسم به لا يجوز في منع البر أو صلة الرحم أو إصلاح بين الناس.. ومن حلف على شيء فرأى غيره خيراً منه فليفعل الخير وليكفر عن يمينه لماذا؟ لأن المؤمن عندما يحلف على ألا يفعل خيراً فهو يضع الله مانعاً بينه وبين الخير، وبذلك يكون قد ناقض المؤمن نفسه بأن جعل المانع هو الحلف بالله. إن الله هو صاحب الأمر بالبر والتقوى والإصلاح بين الناس. لذلك فالحق يقول: { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ } [البقرة: 224]. أي أن الحق يريد أن يحمي عمليات البر والتقوى والإصلاح بين الناس. إنك إن حلفت أيها المؤمن ألا تفعل هذه العمليات، فالحق يريد لك أن تحنث في هذا القسم وأن تفعل البر والتقوى والإصلاح بين الناس حتى لا تتناقض مع تشريع الله. ونحن عندما نجد المجتمع وقد صنع فيه كل فرد البر، واتقى فيه كل إنسان المعاصي، ورأى فيه كل إنسان نزاعاً بين جماعتين فأصلح هذا النزاع، أليس هذا دخولاً في السلم كافة. إذن فالحق يريد أن يستبقي للناس ينابيع الخير وألا يسدوها أمام أنفسهم. إن الحق هو الآمر بألا يجعل المؤمن اليمين مانعاً بين الإنسان والبر، أو وبين الإنسان والتقوى، أو بين الإنسان والإصلاح بين الناس. ويتساهل الإسلام في مسألة التراجع والحنث في البر فيقول السلف الصالح: " لا حنث خير من البر ".

السابقالتالي
2 3