الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

والسؤال ورد من عمرو بن الجموح وكان شيخاً كبيراً فقال: يا رسول الله، إن مالي كثير فبماذا أتصدق، وعلى مَنْ أنفق؟ ولم يكن يسأل لنفسه فقط، بل كان يترجم عن مشاعر غيره أيضاً، ولذلك جاءت الإجابة عامة لا تخص السائل وحده ولكنها تشمل كل المؤمنين. والسؤال عن " ماذا ينفقون " فكأن الشيء المُنْفَق هو الذي يسألون عنه، والإنفاق - كما نعرف - يتطلب فاعلاً هو المُنْفِق والشيء المُنفَق - هو المال - ومنفَقَاً عليه. وهم قد سألوا عن ماذا ينفقون، فكأن أمر الإنفاق أمر مُسَلَّمُ به، لكنهم يريدون أن يعرفوا ماذا ينفقون؟ فيأتي السؤال على هذه الوجه ويجيء الجواب حاملاً الإجابة عن ذلك الوجه وعن أمر زائد. يقول الحق: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ } [البقرة: 215] هذا هو السؤال، والجواب { قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ } [البقرة: 215]. إن الظاهر السطحي يظن أن السؤال هو فقط عن ماذا ينفقون؟ وأن الجواب جاء عن المنفق عليه. نقول: لا، لماذا نسيت قوله الحق: إن الإنفاق يجب أن يكون من " خير " فالمال المُنفق منه لا بد أن يتصف بأنه جاء من مصدر خير. وبعد ذلك زاد وبيّن أنه: ما دمتم تعتقدون أن الإنفاق واجب، فعليكم أن تعلموا ما هو الشيء الذي تنفقونه، ومَنْ الذي يستحق أن يُنْفَقَ عليه. { قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ } [البقرة: 215]. والخير هو الشيء الحسن النافع. والمُنْفَق عليه هو دوائر الذي يُنْفِق لأن الله يريد أن يُحَمّل المؤمن دوائره الخاصة، حتى تلتحم الدوائر مع بعضها فيكون قد حمّل المجتمع على كل المجتمع، لأنه سبحانه حين يُحَمّلني أسرتي ووالدي والأقربين، فهذه صيانة للأهل، وكل واحد منا له والدان وأقربون، ودائرتي أنا تشمل والديّ وأقاربي، ثم تشيع في أمر آخر في اليتامى والمساكين. وهات كل واحد واحسب دوائره من الوالدين والأقربين وما يكون حوله من اليتامى والمساكين، فستجد الدوائر المتماسكة قد شملت كل المحتاجين، ويكون المجتمع قد حمل بعضه بعضاً، ولا يوجد بعد ذلك إلا العاجز عن العمل. وعرفنا أن السائل هو " عمرو بن الجموح " ، وكانت له قصة عجيبة كان أعرج، والأعرج معذور من الله في الجهاد، فليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج. " وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج في غزوة، فجاءه عمرو بن الجموح وقال: يا رسول الله لا تحرمني من الجهاد، فإن أبنائي يحرمونني من الخروج لعرجتي. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد عذرك فيمَنْ عذر. قال: ولكني يا رسول الله أحب أن أطأ بعرجتي الجنة ".

السابقالتالي
2 3