الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ }

أي أظننتم أنكم تدخلون الجنة بدون ابتلاءات تحدث لكم؟ إن الحق سبحانه ينفي هذا الظن ويقول: ليس الأمر كذلك، بل لابد من تحمل تبعات الإيمان، فلو كان الإيمان بالقول لكان الأمر سهلاً، ولكن الذي يُصَعِبُ الإيمان هو العمل، أي حمل النفس على منهج الإيمان. لقد استكبر بعض من الذي عاصروا محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقولوا: " لا إله إلا الله " لأنهم فهموا مطلوبها لأن الأمر لو اقتصر على مجرد كلمة تقال بلا رصيد من عمل يؤيدها، لكان أسهل عليهم أن يقولوها، لكنهم كانوا لا يقولون إلا الكلمة بحقها، ولذلك أيقنوا تماماً أنهم لو قالوا: " لا إله إلا الله " لانتهت كل معتقداتهم السابقة، لكنهم لم يقولوها لأنهم أبوا وامتنعوا عن القيام بحقها وأداء مطلوبها. إن الحق يقول: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ } [البقرة: 214] فما العلاقة بين هذه الآية وما سبق من الآيات؟ لقد كان الحديث عن بني إسرائيل الذين حسبوا أنهم يدخلون الجنة بدون أن يبتلوا، وصارت لهم أهواء يحرفون بها المنهج. أما أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعليهم أن يستعدوا للابتلاء، وأن يعرفوا كيف يتحملون الصعاب. ونحن نعرف في النحو أن هناك أدوات نفي وجزم ومن أدوات النفي " لم " و " لما " فعندما نقول: " لم يحضر زيد " فهذا حديث في الماضي، ومن الجائز أن يحضر الآن. ولكن إذا قلت: " لما يحضر زيد " فالنفي مستمر حتى الآن، أي أنه لم يأتي حتى ساعة الكلام لكن حضوره ومجيئه متوقع. ولذلك يقول الحق:قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ.. } [الحجرات: 14]. وعندما سمع الأعراب ذلك قالوا: نحمد الله، فما زال هناك أمل أن نؤمن. لقد أراد الله أن يكون الأعراب صادقين مع أنفسهم، وقد نزلت هذه الآية كما يقول بعض المفسرين في قوم من بني أسد، جاءوا إلى المدينة في سنة جدب، وأعلنوا الشهادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ، وكانوا يطلبون الصدقة، ويحاولون أن يمنوا على الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم لم يقاتلوه كما فعل غيرهم، فجاءت هذه الآية لتوضح أن الإيمان درجة أرقى من إظهار الإسلام. لكن ذلك لا يعني أنهم منافقون، ولذلك يوضح القرآن الكريم أن إظهار الإسلام لا يعني الإيمان لأن الإيمان عملية قلبية. لقد أعلنوا الخضوع لله، وأرادوا أن يقوموا بأعمال المسلمين نفسها لكن ليس هذا هو كل الإيمان.

السابقالتالي
2 3