الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

فكأن الله لم يحمل على بني إسرائيل ويريد منهم أن يقروا على أنفسهم بما أكرمهم به الله من خير سابق فساعة تقول: " اسأل فلاناً عما فعلته معه " ، كأنك لا تأمر بالسؤال إلا عن ثقة، وأنه لن يجد جواباً إلا ما يؤيد قولك. والحق يبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأل بني إسرائيل عن الخير السابق الذي غمرهم به وهو سبحانه عليم أنهم لن يستطيعوا مع لددهم أن يتكلموا إلا بما يوافق القضية التي يقولها الحق وتصبح حجة عليهم. والحق سبحانه وتعالى يقول: { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم } [البقرة: 211] ساعة تسمع " كم " في مقام كهذا فافهم أنها كناية عن الإخبار عن الأمر الكثير بخلاف " كم " التي تريد بها الاستفهام. وأنت تقول: " كم فعلت كذا مع فلان " و " كم صنعت معه معروفاً " و " كم تهاونت معه " و " كم أكرمته ". لذلك فعندما تسمع " كم " هذه فاعرف أن معناها الكمية الكثيرة التي يُكنى بها على أن عددها لا يُحصى. { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ } [البقرة: 211] إن الحق يريد أن يضرب لنا مثلاً كمثل إنسان يأكل خيرك وينكر معروفك، ويشكوك إلى إنسان، فترد أنت لمن ينقل لك الشكوى: سله ماذا قدمت له من جميل، أنا لن أتكلم بل سأجعله هو يتكلم. وأنت لا تقول ذلك إلا وأنت على ثقة من أنه لا يستطيع أن يغير شيئاً. ألم يفلق لهم البحر؟. ألم يجعل عصا موسى حية؟ ألم يظللهم الله بالغمام؟ ألم يعطهم الله المن والسلوى؟ كل ذلك أعطاه الله لهم فلم يشكروا نعمة الله، فحل عليهم غضبه أخذهم بالسنين والجوع وأخذهم بالقمل والضفادع والدم، كل ذلك فعله الله معهم.. وحين يقول الحق لرسوله: { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [البقرة: 211] فالقول منسحب على أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا جاءك واحد منهم فاسأله: كم آية أعطاها الله لكم فأنكرتموها، وتلكأتم. وتعنَّتُم. { كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ } [البقرة: 211] إن " كم " تدل على الكمية الكبيرة، و " من آية ": معناها الأمر العجيب. و " بينة " تعني الأمر الواضح الذي لا يُمكن أن يغفل عنه أحد. { سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [البقرة: 211]. وكيف يبدل الإنسان نعمة الله؟. إن نعمة الله حين تصيب خلقاً فالواجب عليهم أن يستقبلوها بالشكران، ومعنى الشكران هو نسبتها إلى واهبها والاستحياء أن يعصوا من أنعم عليهم بها.

السابقالتالي
2