الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

بعد أن حدثنا الله سبحانه وتعالى عن صفات المنافقين في ثلاث عشرة آية وأعطانا أوصافهم الظاهرة، وأعطانا أمثلة لما يحدث في قلوبهم كي يعرفهم المؤمنون ظاهراً وباطناً، ويحذروهم ولا يأمنوا لهم. بين لنا كيف أن المنافقين لم يكفروا بالله كإله فقط، ويستروا وجوده، ولكن كفروا به كرب والرب عطاؤه مكفول لكل مَنْ خلق: مؤمنهم وكافرهم، فهو سبحانه وتعالى الذي استدعاهم للوجود وخلقهم. ولذلك فإنه سبحانه يضمن لهم رزقهم وحياتهم. والله سبحانه وتعالى لا يَحْرِمُ خلقاً من خلقه من عطاء ربوبيته في الدنيا. فالشمس تشرق على المؤمن والكافر، والمطر ينزل على مَنْ قال لا إله إلا الله ومَنْ ستر وجوده تعالى، والهواء يتنفس به ذلك الذي يقيم الصلاة والذي لم يركع ركعة في حياته، والطعام يأكله الذي يحب الله والذي يكفر بنعم الله.. ذلك أن هذه عطاءات ربوبية يعطيها الله تعالى لكل خلقه في الدنيا. أما عطاءات الألوهية، فهي للمؤمنين في الدنيا والآخرة. فالله سبحانه وتعالى يلفت انتباه خلقه إلى أن عطاء الربوبية من الله سبحانه وتعالى لهم يكفي ليؤمنوا بالله ويعبدوه. والحق سبحانه وتعالى حينما يخاطب الناس في القرآن الكريم، ذلك الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلابد أن يكون الخطاب للناس في كل زمان ومكان منذ نزول القرآن الكريم إلى يوم القيامة. وخطاب الله سبحانه وتعالى خاص بقضية الإيمان في القمة، وهي الخضوع لإله واحد لا شريك له. وقوله تعالى { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } [البقرة: 21] معناه أن من مقتضيات العبادة. أن الله هو خالق الناس جميعاً. وليس في قضية الخلق كما قلنا شبهة لأنه لا أحد يستطيع أن يدَّعي أنه خلق نفسه، أو خلق هذا الكون، بل إن الحق سبحانه وتعالى يطلب منا أن نحترم السببية المباشرة في وجودنا فالأب والأم هنا سبب في وجود الإنسان. فنجد الله سبحانه وتعالى يقول:وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } [الإسراء: 23]. وهكذا نرى أن الحق قد احترم السببية في الموجد، مع أنه سبحانه وتعالى الموجِد الذي خلق كل شيء. ولكن الله يحترم عمل الإنسان. مع أنه سبب فقط، فالمال هو مال الله، يعطيه لمَنْ يشاء. لكننا نجد الحق سبحانه وتعالى وهو يحث على الصدقة يقول:مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً.. } [البقرة: 245]. فكأنه سبحانه احترم عمل الإنسان في الحصول على المال، رغم أن المال مال الله. فقال وهو الخالق الأعظم:مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً.. } [البقرة: 245] وهكذا تتجلى رحمة الحق بالخلق.

السابقالتالي
2